حكمة غوارديولا

TT

قطعت قناة الـ«سي إن إن» الأسبوع الماضي إرسالها على شبكة البرامج العالمية كلها؛ كي تنقل على الهواء مباشرة المؤتمر الصحافي الخاص بإعلان نادي برشلونة لكرة القدم استقالة مدير الكرة الشهير غوارديولا. وحينما تُقدم محطة تلفزيونية على هذا القرار فهي تتخذ قرارها بناء على الأهمية القصوى لاهتمامات مشاهديها في كل أنحاء العالم. استطاع غوارديولا أن يحقق لنادي برشلونة الكتالوني الإسباني موقعا غير مسبوق في تاريخ كرة القدم الإسبانية والعالمية على حد سواء. قفز بناديه إلى صدارة مسابقتي الدوري والكأس الملكي في إسبانيا، واستطاع أيضا أن يصل به إلى صدارة أندية أوروبا لكرة القدم.

الأهم من ذلك كله أنه حقق لمشاهدي لعبة كرة القدم عودة إلى الإحساس الغامر بالمتعة التي كانت قد فقدت بعد انطفاء شمس تألق الأندية الكبرى في إيطاليا وبريطانيا والبرازيل والأرجنتين.

أصبح برشلونة أكثر بريقا من مانشستر يونايتد، وأكثر جاذبية من تشيلسي، وأكثر حرفية من يوفنتوس، وأكثر تحديا لمنافسه التقليدي نادي ريال مدريد. وبرز السؤال: ما الذي يجعل غوارديولا يقرر طواعية أن يترك برشلونة وهو في قمة الإنجازات وفي أعلى مستوى للأداء والإمتاع، وفي زمن لديه أهم كتيبة من اللاعبين على رأسهم المذهل ميسي، والبارع تشافي؟

أجاب غوارديولا بنفسه عن هذا السؤال إجابة دعتني إلى التوقف طويلا أمامها.

قال غوارديولا: «لقد قررت الرحيل لأنني بدأت أشعر أنني أفقد تدريجيا حالة (الشغف) بلعبة كرة القدم»!

«الشغف» هو الأساس العاطفي الذي يجعل الإنسان المبدع قادرا على الوصول بمهنته إلى أعلى درجات الاحتراف والإتقان.

حينما يفقد الممثل الشغف يظهر ذلك جليا في أدائه التمثيلي، وحينما يفقد المدرس الشغف يخرج طلابا دون المستوى، وحينما يفقد الطبيب الشغف لا يتم الشفاء التام لمرضاه.

هنا يأتي السؤال: وماذا يحدث إذا فقد الحاكم الشغف بإدارة شؤون البلاد والعباد؟

الإجابة المباشرة: تصبح القيادة بلا روح، وتصبح البلاد بل حلم، وتعيش الجماهير بلا أمل، وتصل بعض بلادنا العربية إلى ذلك التدهور الذي وصلت إليه الآن.

فلنتأمل حكمة غوارديولا بعمق.