سوريا أمام حلين: حوار في موسكو أو تدخل عسكري دولي!

TT

المأزق السوري: أن سوريا اعتادت دائما أن تكون الفاعل ولا مرة المفعول به. هي كانت تخطط وترسل المسلحين للتنفيذ. في لبنان «أبدعت» في دورها، ميليشيات من كل الأنواع، لكل ميليشيا مهمة: تفجير، إشعال جبهات، اغتيالات. كانت تشعل النيران ولم يكن يهمها أن تلعب دور الإطفائي، هذا دور الضعفاء وهي كانت قوية جدا في لبنان.

في العراق فتحت حدودها معه لكل المتطرفين، «قاعدة» كانوا أو من فروع إسلامية أخرى. طالما هي الفاعل والدول الأخرى المفعول بها، كانت «بطلة الساحة». كانت تعتقد أنها ترتدي «قناع الإخفاء». تفوقت سوريا في فرض الأمن وإشعال النيران في الدول الأخرى، كانت أجهزة استخباراتها تعرف في لبنان، مثلا، زواريب الأحياء الصغيرة، لكن هذه الأجهزة أهملت «زواريب» الحدود السورية التي تحمل المسلحين و«الإرهابيين» إلى داخل سوريا. وهكذا تحولت سوريا من «فاعل» ناجح إلى «مفعول به» فاشل.

كتب أحدهم مقالا قبل سنة، في صحيفة «الهيرالد تريبيون»، جاء فيه أن بشار عندما كان في السادسة من عمره دخل مرة إلى مكتب والده حافظ الأسد، ورأى على الرف وراءه قارورة عطر... مرت السنوات وأصبح بشار رئيسا ودخل ليشغل مكتب والده وفوجئ بأن قارورة العطر لا تزال مكانها، محكمة الإغلاق. قد تكون المفاجأة خدعته وظن أن الأوضاع في سوريا، تماما كقنينة عطر والده، ثابتة مكانها، لا تتغير ولن تتغير، وأن سوريا ستبقى الفاعل ولن تكون يوما المفعول بها!

في جلسة مع أحد السياسيين الغربيين قال إن الأوضاع ستزداد سوءا في سوريا طالما ليس هناك قرار سياسي بعد.

خلال الأسابيع الماضية جرت عدة اجتماعات أميركية – خليجية على مستوى رفيع جدا؛ لبحث الوضع القائم في سوريا والعقبة الروسية التي تمنع بشار الأسد من التنحي. العقبات الأخرى التي ناقشها المسؤولون في اجتماعاتهم كانت: عدم توفر إجماع داخل الجامعة العربية حول التدخل، الافتقار إلى الوحدة بين الجماعات الرئيسية السورية المعارضة، مما يسفر عن عدم الوضوح بالنسبة لمن سيحل محل نظام الأسد إذا ما تمت الإطاحة به. في الاجتماعات عبر المسؤولون الأميركيون والخليجيون عن إدراكهم أنه كلما طالت الأزمة من دون حل، كالانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية مثلا، فإن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإسلامية المتطرفة ستجد فرص التحرك والتمكن من الداخل السوري.

وعندما سئل مسؤول خليجي نافذ عن رأيه بالنسبة لروسيا، اقترح الطريقة التي اعتمدها الرئيس الأميركي جورج بوش الأب مع الرئيس العراقي صدام حسين أثناء احتلاله للكويت، بأن «نحاول محاولة أخيرة مع الروس وإقناعهم بالتوصل إلى حل دبلوماسي، وذلك بالجلوس حول طاولة في موسكو إذا كانوا على استعداد للاستضافة». لكنه حذر من أن هذه الفكرة لن تنجح «إلا إذا كنا مستعدين للانتقال إلى ما ينبغي أن تكون عليه الخطوة التالية إذا ما فشلت كل الجهود الدبلوماسية، وهذا يعني أن نقول لموسكو إن هناك خيارين لوضع حد للقتل: إما إيجاد حل دبلوماسي، وإلا فستكون هناك حاجة إلى تدخل دولي. إذا كانوا مستعدين للعب دور بناء والعمل على إيجاد حل سياسي بسرعة، عندها، فإن التدخل لن يكون ضروريا. لكن إذا ما ظنوا أن هذه خدعة ورفضوا فكرة الحل الدبلوماسي الذي يبدأ بإيقاف آلة القتل السورية، فعندها علينا أن نكون على استعداد مع حكومات أخرى، للتدخل باستخدام منطقة آمنة أو ممر إنساني كذريعة للقيام بذلك».

المجتمعون اقترحوا أن يكون المشاركون في الحوار السياسي: الولايات المتحدة، روسيا، السعودية، قطر، الإمارات، فرنسا، بريطانيا وتركيا، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من مجموعات المعارضة الرئيسية: كـ«المؤتمر الوطني» والإخوان المسلمين.

تبين أثناء الاجتماعات أن الولايات المتحدة لا تتطلع إلى الإطاحة بالنظام ككل، إنما الإطاحة بالقيادة أو الذين يشكلونها من الموالين لنظام عائلة الأسد. ورأى المجتمعون أن المتحاورين قد يجدون في الواقع لواء عسكريا قويا من شأنه أن يكون زعيما انتقاليا.

في الاجتماعات الأميركية - الخليجية، رأى المجتمعون أنه يجب أن يكون مفهوما، خصوصا بالنسبة لروسيا، أن المناقشات على طاولة الحوار لن تكون مفتوحة، وأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في فترة قصيرة من الزمن، فسيتم الانتقال إلى الخيار الآخر: التدخل لأسباب إنسانية، أي خلق ملاذ آمن مدعوم من قبل تحالف عسكري دولي.

ردا على هذه الأفكار، افترض الطرف الأميركي أن الروس لا يهتمون إذا ما كانت واشنطن تقيّم مساهمتهم أم لا، يعتقد الأميركيون أن الروس مصرون على إلحاق الهزيمة بأميركا في سوريا، وهذا بالطبع «يثير المخاطر إلى حد كبير». وفي حين يدرك «الأميركيون» أنه لا يمكن السماح بحدوث هذا من أجل مصلحة المجتمع الدولي، فإنه لا اتفاق على ما يجب القيام به للحؤول دون ذلك.

رأي المسؤول الخليجي النافذ في تلك الاجتماعات كان أنه بالطبع لا يمكن أن نسمح لموسكو بالفوز عن طريق السماح لبشار بقمع شعبه بوحشية من دون عواقب، «لكن كما قدمنا لصدام حسين فرصة أخيرة للتوصل إلى حل دبلوماسي عام 1990، ينبغي لنا فعل الشيء نفسه مع روسيا، وبالتالي مع النظام السوري. فإذا قرروا (الروس) (التغلب علينا) والإتيان باقتراح سياسي لإبعاد بشار، اقتراح يخدم مصالحهم ويمكننا العيش معه، عندها نكون قد حققنا أهدافنا. لكن إذا رفضوا اللعب، أو قدموا أفكارا غير مقبولة لنا، وعلى الأخص للمعارضة السورية، فعندها سيكون لدينا مبرر قوي جدا للإعلان عن أن الدبلوماسية لن تنجح، وأن مهمة كوفي أنان إلى فشل، ونأخذ هذا إلى مستوى آخر بموافقة أو من دون موافقة الأمم المتحدة».

أما الرأي الخليجي فكان أن الأسد سينتصر طالما وافقنا على الانتظار ولم نرفع من وتيرة الضغوط، وربما لو وقع حادث دفع القوات السورية إلى إساءة التصرف على الحدود التركية، فقد يكون هذا سيناريو لا تريد روسيا أن تراه يحصل!

اجتماعات كثيرة تُعقد وآراء كثيرة تتردد. وكما صار معروفا، فإن سوريا دخلت في أتون نار «المفعول بهم». مرجع جزائري قال لي: هناك مثلان أمام سوريا: لبنان، حيث الحرب أسقطت الدولة وأبقت على نظام هش، والجزائر حيث إن الإسلاميين قاتلوا الدولة لأكثر من عشر سنوات، لكن الحكومة ظلت موحدة ضدهم والجيش ظل متماسكا في مواجهتهم، الآن يرفضهم الشعب الجزائري، إنما الدولة موجودة ونظامها قائم.

المراهنة على تركيا مشكوك فيها، لكن عرف وزير الخارجية التركي كيف يستفيد منها، فهو في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي في البرلمان التركي أشاد بدور تركيا «الرائد» في الشرق الأوسط! قال حرفيا: «شرق أوسط جديد على وشك أن يولد. نحن سنملكه وسنكون الرائدين فيه وخدام هذا الشرق الأوسط الجديد(...) تركيا ستشارك في كل خطوة لمساعدة سوريا على الوصول إلى السلام! لقد انتهت حقبة سياسات (ننتظر ونرى)، وكذلك انتهى زمن اتباع القوى الكبرى». وأضاف «أن تركيا لن تشارك في أي سياسة لا تنشأ من أنقرة. لم تعد تركيا دولة تنقصها الثقة بالنفس وتنتظر موافقة الدول الخارجية على سياساتها. تركيا لديها الآن (الاقتدار)، حتى أحلامكم لا تستطيع ولن تصل إلى المكان الذي وصلت إليه قوتنا»!

إذا كان داود أوغلو قد وصل إلى هذا البعد، فهذا يعني أن المراهنة على دور تركي لم تعد معقولة، لأن «تركيا طارت» إلى مدى بعيد جدا عن متناول الحلف الأطلسي، وحتى عن البند الخامس من ميثاقه.