أوباما يوقظ بن لادن

TT

مر عام على قتل الجيش الأميركي زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن وإلقاء جثته في البحر..

حينها لم تشعر واشنطن بأنها معنية بحملة الانتقادات لمبدأ القتل من دون محاكمة، ولا لسابقة إلقاء ميت في المحيط، فالمهم بالنسبة لواشنطن آنذاك كان الانتقام للضحايا الثلاثة آلاف الذين سقطوا في هجمات نيويورك وواشنطن.

أعادت الإدارة الأميركية بعث الواقعة في الذكرى الأولى لها، فجعلتها في صلب إنجازات الرئيس باراك أوباما. هذا ما يجري استثماره لأقصى حد من خلال إدخال الصحافة إلى غرفة الحرب السرية التي جرت فيها إدارة العملية، ومن خلال شريط دعائي يهدف للقول إن أوباما فعلها وقتل بن لادن، وإن خصمه الجمهوري ميت رومني ما كان ليتخذ القرار.

استخدام عملية قتل بن لادن على هذا النحو المباشر في الدعاية الانتخابية وفي النقاش الداخلي الأميركي تزامن مع توقيع أوباما قرارات بتوسيع الغارات الأميركية بطائرات من دون طيار ضمن حملة استهداف تنظيم القاعدة، مما يمنح وكالة الاستخبارات الأميركية سلطة استهداف وقتل مشتبه فيهم من دون التحقق من هوية المستهدفين.

هذه القرارات التي تتستر خلف الحملة الدعائية المتباهية بقتل بن لادن تمثل توسعا كبيرا في الحرب الأميركية الدائرة، والتي تعتمد مبدأ القتل لا المطاردة، والاعتقال من خلال طائرات.

هذا القتل قد يصيب أبرياء وهو أصاب كثيرين فعلا.. حدث ذلك العام الماضي بعد قتل عبد الرحمن أنور العولقي، نجل الداعية اليمني الذي قتل هو أيضا. وعبد الرحمن ليس سوى فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة، وقتل بهجمات طائرة من دون طيار.. إنها الطائرات نفسها التي قتلت في باكستان 160 طفلا على الأقل.

في الاحتفاء بذكرى قتل بن لادن ما هو أبعد من تكتيك دعائي انتخابي. ليس مبالغة القول إن الاحتفاء بالقتل والتباهي به ولو بحق قاتل جماعي مثل بن لادن هو اعتراف وتسليم بعدم القدرة على إحقاق العدالة التي لا تتم عبر قتل متعمد.

الاحتفاء مجددا بقتل بن لادن وبرميه في البحر لا يختلف كثيرا عن احتفاء جنود أميركيين بقتل عناصر من طالبان والتبول عليهم، ولا يختلف كثيرا عن وقوف جندي أميركي قرب جثة صبي أفغاني مضرج بدمائه والابتسام أمام الكاميرا..

جعل واقعة قتل مناسبة احتفال في حملة دعائية انتخابية هو جزء من مساع لإدراج القتل في برامج تدّعي أنها تطمح لتحسين مستويات الحياة. فنحن هنا حيال برنامج انتخابي، أي وعود لناخبين بأن يجعل المرشح حياتهم أفضل. رمزيا من غير الحكيم أن نربط ربطا مباشرا بين تحسين مستويات العيش والقتل المباشر، فما بالك بالقتل بطائرات من دون طيار؟ إنه قتل آلي مجرد من إرادات بشرية.. آلة يأمرها الإنسان بأن تقتل وهي أصابت غير الأهداف التي ادعى هذا الإنسان استهدافها.. أصابت أطفالا ومدنيين وهو ما لا يجب أن يحتفى به.

لعل بن لادن من حيث هو في قعر المحيط يبتسم اليوم بعد أن جعلنا جميعا مثله، قتلة محترفين نتباهى بالقتل ونضحك للكاميرا بعد أن ننجز ذلك!

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com