إلى متى ننتظر؟

TT

يبدو أن لدى الولايات المتحدة خطتين للتعامل مع ما يتحول سريعا إلى حرب أهلية في سوريا؛ الأولى: تطالب بالتطبيق الكامل لقرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، والتعاون الكامل من بشار الأسد، الديكتاتور الذي يجازف بحياته، لتسليم السلطة إلى المعارضة، أما الثانية فتتمثل في عمل عسكري باستخدام القوة الجوية، بيد أنه لتطبيق ذلك يجب أن تفشل الخطة الأولى وأن يموت المزيد من السوريين.

لكن، قد يتساءل البعض: كم من السوريين ينبغي أن يموت؟ الواضح أن الحصيلة الإجمالية - تتجاوز 9.000 - ينبغي أن ترتفع قبل أن تبدأ الولايات المتحدة و«الناتو»، وربما تركيا والسعودية، التحرك لوقف المذبحة. ونقلت وكالة «بلومبيرغ» تقارير تفيد بمقتل أكثر من 500 شخص منذ وقف إطلاق النار في 12 أبريل (نيسان)، وهو ما جعل وقف إطلاق النار يتحول إلى إطلاق نار أكثر من وقف له.

قليلون في واشنطن هم من يؤمنون بخطة الأمم المتحدة، التي طرحها الأمين العام السابق للمنظمة كوفي أنان، الذي قام بما تدرب على القيام به، من طرح الاقتراحات للتهدئة. هذه الجهود تنجح أحيانا، وأحيانا أخرى تكون غير ذلك، لكن هناك بروتوكولا لهذه الأشياء ينبغي السير وفقه. ومع كل فرصة تضيع، يموت المزيد من السوريين.

الوقت ليس في صالح الوسطية أو التسوية. فكلما استمرت عمليات القتل، زادت القوات المعارضة للأسد تطرفا وتشددا. والنخبة المثقفة التي دعمت الحركة ستتعرض للتهميش من قبل المتطرفين الإسلاميين - المتطوعين من الدول العربية المجاورة التي لا تؤيد الأسد ولا علمانيته. (بالفعل، فقد نقلت الأنباء تقارير عن عملية تفجير انتحارية). وكما كان الحال مع صدام حسين، فقد كان جاره الأسد وعائلته على غير وفاق مع الإخوان المسلمين ومنظمات مشابهة. ففي عام 1982، قتل حافظ الأسد 20.000 سوري في حماه معقل الإخوان المسلمين. والآن، حان وقت رد الصاع.

يجب أن يقر البعض منا ممن دافع عن ضرورة إضافة الولايات المتحدة بعض القوة إلى دبلوماسيتها - حتى قصف المنشآت العسكرية السورية وفرض منطقة حظر للطيران - بوجود صعوبات في ذلك. فالدفاع الجوي السوري كثيف، وصممه الروس لصد الهجمات الإسرائيلية. كما أن تشكيل المعارضة السورية غير معروف. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو امتلاك سوريا لمخزون كبير من الأسلحة البيولوجية والكيميائية. الأسلحة لم تستخدم - يصعب السيطرة عليها - لكن نظاما يقاتل من أجل البقاء ربما يستخدم كل ما في يده كما فعل صدام مع الأكراد. بيد أن أيا من هذا يمكن التغلب عليه، فقد تمكنت إسرائيل من قصف المفاعل النووي المشتبه فيه في عام 2007 دون خسارة أي طائرة، ومهما كانت القدرات الإسرائيلية فسوف تتمكن الولايات المتحدة من القيام به أيضا. ما يغيب عنا في الوقت الراهن ليس الوسائل المناسبة للتعامل بشكل عسكري مع الأسد، لكن الرغبة في القيام بذلك، وللقيام به بسرعة وكفاءة. هذا النوع من القيادة لم يثبت فيه باراك أوباما مكانة كبيرة.

تؤكد مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في مذكراتها «شتاء براغ»، أهمية القيادة - أو غيابها - في الشؤون العالمية. كسيدة، ولدت أولبرايت في تشيكوسلوفاكيا لجوزيف كوربل وآنا سبيغيلوف. وكدبلوماسية، فهي ابنة ميونيخ - الاتفاق السيئ الذي حول جزءا من بلادها إلى ألمانيا النازية. وهي تنتقد تولستوي الذي «أكد أن الباحثين يعمدون بشكل منتظم إلى التهويل بشأن قدرة القوي والعزيز في السيطرة على الأحداث. بالاستشهاد بأن القادة الضعفاء والمتذبذبين فشلوا في إدراك الشر والوقوف في وجه هتلر».

التشابه مع ميونيخ ربما يكون مبالغا فيه (فصدام لم يكن هتلر)، لكن الترياق المفترض لميونيخ وفيتنام ربما يكون مبالغا فيه أيضا، فليس كل عمل عسكري ورطة، وعلى أية حال يمكن تفادي المستنقع باستخدام القوة الجوية. فالتدخل العسكري في البوسنة وكوسوفو وليبيا لم يتطلب وجودا عسكريا على الأرض، وقد انتهى عندما انتهت، وأثبتت أنها استراتيجية خروج عبقرية.

الثورة السورية تتجه نحو شيء أكثر إثارة للفزع، فكلما طال أمدها، زادت أعداد القتلى وفرص انتشارها عبر الحدود، والخطة، كما هي الآن، تتمثل في انتظار ما لا مفر منه - فشل كوفي أنان وبعد ذلك الفشل المتوقع للحظر على السلاح الذي سيضعف المعارضة أكثر مما سيفعل مع الأسد. وبصورة ما، يفترض أن يؤدي هذا الفشل المتكرر إلى النجاح. وهذا أسوأ من ميونيخ، إنه جنون.

* خدمة «واشنطن بوست»