الطريق إلى قتل بن لادن لم يبدأ مع قدوم أوباما

TT

في الوقت الذي نحتفل فيه بالذكرى الأولى لمقتل أسامة بن لادن، يستحق الرئيس أوباما الثناء على اتخاذه القرار الصائب بالقضاء على العدو الأول للولايات المتحدة الأميركية.

على الرغم من ذلك، فإن تلك الإدارة ما كانت لتحظى أبدا بفرصة القيام بهذا العمل دون بعض الجهود الاستثنائية التي تمت في عهد إدارة الرئيس السابق جورج بوش (الابن)، التي هاجمها أوباما، واصفا إياها بغير المثمرة، والتي تتعارض مع المبادئ الأميركية. لكن أوباما كان مخطئا في كلا الإدعاءين.

وبعد أن لقي أسامة بن لادن حتفه في الربيع الماضي، بفضل الجهود التي قامت بها القوات الخاصة الأميركية والاستخبارات، أعلنت الإدارة الأميركية بفخر أن أوباما عندما تولى منصبه جعل اصطياد بن لادن على قائمة أولوياته، مما جعل الكثير من الأشخاص الذين شغلوا بعض المناصب البارزة في مكافحة الإرهاب في عهد إدارة بوش يتساءلون بدهشة: «لماذا لم نفكر في هذا الأمر؟».

الحقيقة أن القبض على بن لادن تصدر أهداف مكافحة الإرهاب في أجهزة الاستخبارات الأميركية حتى قبل وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، حيث اعتمدت الإدارة الأميركية على العمل المضني الذي تواصل لسنوات عديدة قبل انتخاب أوباما، والذي من دونه لما كان مسؤولو إدارة أوباما في وضع يسمح لهم بإعطاء إذن بالقيام بالهجمة التي حدثت في أبوت آباد، في باكستان، والتي أسفرت أخيرا عن مقتل بن لادن.

تم القبض على أحد الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم القاعدة في عام 2004 بينما كان يحاول الاتصال بأبو مصعب الزرقاوي، قائد عمليات «القاعدة» في العراق، حيث تم اقتياده إلى أحد السجون السرية التابعة لوكالة الاستخبارات الأميركية - أو «الموقع الأسود» - حيث أبدى عدم التعاون في البداية، ولكنه انصاع في النهاية عقب تعرضه لبعض «تقنيات الاستجواب المعززة»؛ وهي التقنيات التي لا يتم التصريح بها إلا من أعلى المناصب في الحكومة الأميركية والتي أقر مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل الأميركية بتماشيها مع القوانين الأميركية. لم يكن هذا الإرهابي من بين عناصر تنظيم القاعدة الثلاثة الذين تعرضوا لأسلوب الإيهام بالغرق، وهو أكثر أساليب التحقيق قسوة.

وبعد أن قرر هذا الإرهابي أن عدم التعاون كان فكرة سيئة منذ البداية، قام بإخبارنا بالعديد من الأمور؛ من بينها أن بن لادن كان قد توقف عن التواصل عبر اللاسلكي أو التليفون أو الإنترنت، وأنه يعتمد على وسيط وحيد هو «أبو أحمد الكويتي».

في هذه الأثناء، كنت أعمل رئيسا لمركز محاربة الإرهاب. والحقيقة أن اعتماد بن لادن على وسيط واحد فقط، كان اكتشافا تمكنت من خلاله أن أستشف أن بن لادن تخلى عن إدارة الجماعة بصورة يومية؛ إذ لا يمكنك إدارة عمليات بضخامة وتعقيد وطموح «القاعدة» عبر الاتصال كل بضعة أشهر.

واصلنا العمل ونحن مسلحون بكنية وسيط أسامة بن لادن، وسألنا معتقلين آخرين في سجوننا عما إذا كان أحدهم قد سمع عن الكويتي.. أصابت خالد شيخ محمد، مدبر هجمات 11 سبتمبر، حالة من الرهبة عندما سمع الاسم.. عاد إلى زنزانته وهو ينفي بشدة سماعه أي شيء عن هذا الرجل. بعد ذلك، اعترضنا المراسلات التي بعث بها خالد شيخ محمد إلى المعتقلين الآخرين في المنطقة السوداء، التي طلب منهم فيها «أن لا يقولوا أي شيء عن الوسيط».

في عام 2005، قال لنا معتقل بارز آخر هو أبو الفرج الليبي إن هذا الوسيط أعلمه أن الليبي تم اختياره ليكون الرجل الثالث في «القاعدة». من المؤكد أن مثل هذا النوع من المعلومات يقدمه قيادات «القاعدة».

بعد بضع سنوات، وبعد أن رأست الخدمات السرية الوطنية، تمكنت وكالة الاستخبارات المركزية من الكشف عن الاسم الحقيقي للوسيط. ومسلحين بهذه المعلومة، عملت الوكالة دون كلل لتحديد مكان الرجل، والعثور عليه، وفي النهاية قتل أسامة بن لادن.

ومع محاولة البعض تحويل مقتل بن لادن إلى العامل الأساسي لإعادة انتخاب أوباما، ربما يكون من المفيد أن نتذكر أن الحملة لاعتقال بن لادن بدأت في موقع غير معلوم في وكالة الاستخبارات المركزية، الذي أمر أوباما بإغلاقه إلى الأبد في اليوم الثاني من إدارته. وجاء الاعتقال من المعلومات التي حصل عليها إرهابيون متشددون وافقوا على إخبارنا ببعض (وليس كل) ما يعرفونه بعد خضوعهم لوسائل التحقيق القانونية والقاسية. وقد حظر أوباما هذه الوسائل في يناير (كانون الثاني) 2009.

وقد هاجم السناتوران ديان فينستين وكارل ليفن، التصريحات التي نشرتها في مايو (أيار) 2011، والتي نشرها المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن والمحامي العام السابق مايكل موكاسي، بشأن ما أدى إلى وفاة بن لادن، فقد أساءوا فهم وتشخيص مواقفنا.

لم يكن هناك نهج أو تقنية أو أسلوب واحد أدى بمفرده إلى هذه العملية الناجحة من اغتيال بن لادن. لكن من يعتقدون أنها كانت نتاج أسلوب حديث تم انتهاجه بعد 20 يناير (كانون الثاني) 2009، هم مخطئون.

* الكاتب عمل بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية 31 عاما وهو مؤلف كتاب «تدابير شاقة: كيف أنقذت أعمال (سي آي إيه) القوية حياة الأميركيين بعد 11 - 9».

* خدمة «واشنطن بوست»