فرعنة جديدة

TT

كشفت الأزمة بين السعودية ومصر، عقب اعتداء بعض المتجمهرين على السفارة السعودية في القاهرة، والقنصلية في السويس، عن عمق الهوة في معرفة بعضنا بعضا.

هناك أشياء كثيرة تقال حول دلالات استدعاء السفير السعودي من القاهرة وإغلاق السفارة، ثم جهود التهدئة المصرية السعودية، سواء من قبل المجلس العسكري الحاكم، أو من قبل البرلمان المصري بغرفتيه، أو من قبل القوى السياسية التي استنفرت لإطفاء النار بعد اشتعالها.

مَن المستفيد مِن هذه الأزمة؟ وهل لها مسوغات منطقية وسياسية، بعيدا عن لغة العواطف ومنطق «ليس بين الخيّرين حساب»؟

ربما تسنح فرصة أخرى للتوقف عند هذه المعاني.

المهم في هذه المساحة التوقف، ولو بشكل موجز، عند حجم الجهل بأنفسنا وبثقافتنا بين بعضنا وبعض. حجم كبير وثقيل كشفته هذه الأزمة، ومن يطالع ما قيل من قبل «كثير» من الإعلام المصري، سواء في الفضائيات، أو حتى بعض أبطال الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، يكشف له الأمر عن مفارقات عجيبة.

علاقة مجتمع الجزيرة العربية بمصر علاقة معقدة وعميقة وقديمة ومتعددة الطبقات، بل إن هناك بعض المصريين أوثق علاقة ببعض السعوديين من مصريين آخرين في القطر المصري، وكذلك الأمر بالنسبة لسعوديين تجاه مصريين، حتى في مستوى اللهجة والعادات، وبكلمة مجملة «الثقافة».

مضحك حد السخرية حديث بعض رافعي النزعة الفرعونية في مصر، وهم يدعون الإسلامية! تجاه سكان الجزيرة العربية «البدو» سكان الخيام... هو حديث أقرب إلى المنتجات السينمائية الغربية الرخيصة تجاه تنميط وقولبة صورة العربي في الخطاب السينمائي الغربي، في حين أننا نحن العرب نمارس هذا التنميط الجاهل بعضنا تجاه بعض عبر ثنائية: شمال - جنوب، أو: عرب الماء وعرب الصحراء. وهذا بالضبط هو الخطاب الذي سمعناه وشاهدناه من قبل «البعض» في مصر على خلفية هذه الأزمة.

مضحك هذا الأمر لأن لغة الأرقام في التنمية والتعليم والاقتصاد لا تقدم أي مسوغ لهذا التفاخر من قبل من يتفاخر!

أما إذا أردنا حديثا أكثر صدقية وواقعية فإن التمازج بين أهل الحجاز ونجد والجزيرة العربية، قبل نشوء دولة مصر الحديثة على يد محمد علي باشا أو نشوء المملكة العربية السعودية على يد الملك عبد العزيز، كان تمازجا شاملا، فقد قدم أناس من بادية الحجاز «للجهاد» ضد حملة نابليون على مصر، وكان الخديو عباس باشا صديقا شخصيا للإمام فيصل بن تركي جد الملك عبد العزيز، وفي العصر الحديث فإن الشيخ «المصري» عبد الرزاق عفيفي كان أحد رموز المؤسسة الدينية السعودية الرسمية، وكان عضوا في هيئة كبار العلماء، وكان الشيخ حافظ وهبة، المصري الإصلاحي، أحد أبرز مستشاري الملك عبد العزيز، وكان أحد أبرز الساسة في مصر، وهو محمد محمود، من أسرة قدمت من بادية الجزيرة العربية.

الكلام كثير، والمساحة لا تتسع، لكن فعلا مصيبة أن تختلط الأمور بعضها ببعض. كنا نعرف هذه «النزعة الفرعونية» لدى بعض مثقفي الانعزالية المصرية سابقا، وكانت محل استنكار لدى إسلاميي مصر وكثير من سكانها المحافظين، لكن أن يركب هذا المركب الفرعوني من ينادي بالهوية الإسلامية، شعر أو لم يشعر، كما يشي به بيان حزب الحرية والعدالة الإخواني، فتلك لعمر الله قاصمة الظهر...

[email protected]