كان بين الوفود في «الملتقى الإعلامي العربي» في الكويت، رسميون وصحافيون عراقيون. ومن الواضح أنهم لم يجيئوا لكي يطلبوا «حصتهم» من أرض الكويت ولا من موانئها ولا من بئر «مجنون» ولا لإعادة كتابة التاريخ أو إعادة رسم الجغرافيا.
مرت سريعا صورة أمير الكويت في بغداد بسبب وفرة الزعماء العرب في القمة. لكن الوفد الكويتي العائد الآن برئاسة وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد يحمل معه مجموعة من الاتفاقات التي لا تقوم إلا بين دول متزنة وحسنة النيات.
ويتحدث الشيخ صباح الخالد بطمأنينة واضحة ومن دون حذر عن واقع ومستقبل العلاقة مع العراق «الشقيق». ويطلق العرب صفة «الشقيق» أو «الشقيقة» على كل دولة حاولت احتلال جارتها أو ضمها أو إعلانها محافظة أخرى. لكن وزير الدبلوماسية الكويتية يرفض العودة إلى الماضي أو استذكاره، لأن مآسيه لا تفيد، ومراراته تعوق.
يقول إن الاتحاد السوفياتي حاول منع الكويت المستقلة من الانضمام إلى الأمم المتحدة عام 1961 وطوال عامين، ولكن الكويت سارعت إلى إقامة العلاقة مع موسكو، وكانت أول دولة عربية تعترف بالصين الشعبية. وتعاني الكويت من علاقة مضطربة مع «الشقيق الكبير» منذ أيام الملك غازي إلى غزو صدام. ولكن يبدو الآن أنها مقتنعة بأن العراق جدي في احترام تعهداته والقبول بوقائع التاريخ.
ذكرت في هذه الزاوية غير مرة أن عدد موظفي السفارة العراقية عشية الغزو كان نحو 900 «دبلوماسي». علمت مؤخرا أنه يجب أن أصحح وأوضح: كانوا يا مولاي أربعة آلاف من حملة الحقائب الدبلوماسية المدججة بسائر مظاهر «الشقاقة» (من شقيق) وخفايا النيات الطيبة.
الشيخ صباح الخالد متفائل بأن ثمة لغة جديدة، واضحة غير مبطنة، بين الدولتين. لغة احترام وتعاون في سائر الحقول. وفي نهاية العام سوف يكون رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك في بغداد لتوقيع الصفحة الجديدة بالأختام. وكم هو غريب أمر الدول العربية: الأقرب إليك هو الأبعد عنك! والحدود باب إلى الغزوات والحروب وليس إلى حسن الجوار وعمق المودات. والشقيق الأكبر يحب الشقيق الأصغر إلى درجة أكله والتلمظ بدمائه. استقبل الشيخ ناصر الحمد وفد الإعلاميين الحاضرين. وراح يعدد خلال اللقاء كم هي قريبة المسافات بين الدول العربية إلى أن وصل إلى القول إن المسافة بين الكويت وبغداد 520 كيلومترا، فقال له أحدنا: «في الذهاب أم في الإياب»؟
لعلنا حقا أمام واقع جديد. ولعل وعسى، كما في بلاغة العرب. فلنترك الشباب يطمئنون ويبدأون من منطلقات الثقة والأمل. جيلنا أحرقته التجارب. يريد الأقوياء تحرير فلسطين، معرجين على تشاد والكويت ولبنان، منطلقين أحيانا من موريتانيا. أو حلايب.