العلاقة السعودية المصرية.. نسيجها أقوى من محاولات تمزيقه

TT

من ذا الذي يريد تمزيق العلاقة بين البلدان العربية، ولا سيما بين السعودية ومصر؟.. هم كثر بلا شك.. فقوة العلاقة بين هذين البلدين - بوجه خاص - إنما هي قوة للعروبة وللإسلام، ورافد عظيم لنهضة العرب والمسلمين.. ولهذه القوة أعداء متربصون.. نعم. هذه حقيقة.. والحقيقة الأخرى هي أن مرادات الأعداء لا تتحقق إلا عبر موالين عرب لهؤلاء الأعداء، أو (لتلطيف العبارة) عبر جهلة هم بمثابة أدوات مدمرة في يد الأعداء. وطالما قلنا: إن الدواهي والكوارث التي أصابت تاريخنا وواقعنا دلفت إلينا: إما عبر ذكي خبيث، وإما من خلال مخلص غبي: وفي كل شر.

ولئن سألنا: من المستفيد من تأزم أو تدهور العلاقات بين السعودية ومصر؟ فإن الجواب القاطع: هم أولئك الذين لا يريدون للبلدين - ولا للشعبين - خيرا ولا تقدما ولا وئاما.. وبقية الجواب هي أن ذلك التدهور لا يكون - بحال من الأحوال - لصالح السعوديين والمصريين.. ولعل الضميمة التالية تكشف مزيدا من جرائر العبث بالعلاقة بين البلدين.. فهذه الأزمة المفتعلة في أي زمن وقتت؟.. وقتت في زمن تبين فيه - بوضوح - مخطط:

أ) تمزيق الأوطان العربية، كل على حدة.

ب) تمزيق العرب من حيث هم أمة. إذ يتوجب - في نظر أصحاب المخطط - أن تمزق شر ممزق، تمهيدا لتغييرات واسعة النطاق في المنطقة هي - بالتوكيد - ليست في صالح الأمة العربية، لا في حاضرها ولا مستقبلها.

نعم.. إن الذي ابتدر الأزمة قلة من «المفتين الجدد» في شؤون السياسة الخارجية: بلا علم، ولا خبرة، ولا عقل، ولا حكمة، بيد أن كثيرا من الأزمات بدأت صغيرة على يد أناس لا يحسنون التفكير ولا الحساب ولا التقدير، ولا يملكون رؤية لمآلات ما يقومون به.

والحالة الأساسية في هذه الأزمة المفتعلة، هي أن رجلا مصريا ضبط بما يثير حوله الاتهام القانوني العادي العام (أي الذي ينطبق على كل مخالف من السعوديين أنفسهم ومن غير السعوديين من كل جنسية).. وهذه مسألة قضائية بحتة لا ينبغي أن تُقحم فيها السياسة، ولا أن يبتذلها الإعلام المتعطش للطم في كل مأتم، فإن لم يجد مأتما طبيعيا، افتعل مأتما، فالمقصود عنده اللطم على كل حال.. فمن الناس من يدمن النواح!!

هذه الحالة الفردية - ذات الاختصاص القضائي - لماذا يتحمل وزرها مليونان ونصف مليون مصري يعيشون في السعودية؟.. لماذا يتحمل تبعتها نحو نصف مليون سعودي يقيمون في مصر بصفة دائمة؟.. لماذا تبوء بإثمها علاقات تاريخية ومصلحية بين هذين البلدين العربيين المسلمين الكبيرين: السعودية ومصر؟

وَي!!!

أمن أجل أهواء بعض البشر يتوجب أن تكف الكواكب عن الدوران؟!! وأن تتعطل العلاقات بين الدول؟

أين العدالة في الطرح الإعلامي؟.. أين النضج في الفكر السياسي؟.. أين الرشد في تقدير المصالح والعمل الدائم على تنميتها وحراستها، لا على تعطيلها وإهدارها؟.

وإذا كان واقع الأمة يشكو من كثرة الحمق والنزق والسفه، فإننا نحمد الله - عز وجل - الذي قيض للبلدين - السعودية ومصر - عقلاء مبصرين يتداركون الوضع بإخلاص وحنكة وسرعة.. فقد عزم رجالات كبار في مصر على القيام بـ«فريضة إصلاح ذات البين».. ولقد سارعت القيادة السعودية إلى الترحيب بهذه الخطوة العاقلة الواقعية. وكان ثمرة الإرادتين: أن زار السعودية - في الأسبوع الماضي - وفد مصري كبير رفيع.. ومن المضامين العميقة في طبيعة هذا الوفد: أنه ذو حجم كبير (120 شخصية مصرية).. وأنه وفد اتسم بالتنوع البالغ فقد انتظم الوفد رئيسي مجلس الشعب والشورى، وممثلين عن الأزهر والكنيسة وأعضاء برلمانيين، وممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، ودعاة إسلاميين، وكتابا وصحافيين، وفنانين ورياضيين، بمعنى أن مصر كلها - تقريبا - قد مثلت في هذا الوفد.. وأن مصر كلها قد حضرت في السعودية. وهذا تعبير كريم عن تقدير المصريين وحبهم للسعودية (بغض النظر عما بدر من البعض).

ولقد التقى هذا الوفد الشقيق الصديق بمسؤولين سعوديين كبار على رأسهم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي تنطوي جوانحه على تقدير وحب عظيمين لمصر والمصريين: كما يعبر هو عن ذلك دوما.

وليس يجوز تسجيل ذلك كله دون توجيه تحية خاصة للدبلوماسية السعودية التي استطاعت أن تدفع الأمور إلى الخط السليم، في الاتجاه الصحيح.

إن للعلاقة السعودية المصرية جذورا عريقة عميقة.. ومن أمتن هذه الجذور أنه قبل نحو سبعين عاما - تقريبا - : زار الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مصر زيارة رسمية وضعت أسس التعاون الصادق والقوي بين البلدين.. ولقد استقبله الشعب المصري استقبالا هائلا ملؤه الحب والتقدير والفرحة الغامرة بمقدم زعيم عربي مسلم من أكابر زعماء الإصلاح والنهضة في العالم العربي الإسلامي في العصر الحديث، وهو استقبال عبر عنه الملك عبد العزيز بقوله: «لقد لقيت في كل شبر مشيت فيه من أرض الكنانة من الحفاوة والإكرام ما لا يحيط به الوصف، ولا يفي بحقه وافر الشكر. فقد كانت قلوبهم تتكلم قبل ألسنتهم.. وليس البيان بمسعف. ولكن اعتزازي أني كنت أشعر أن جيش مصر العربي هو جيشكم (كان الملك عبد العزيز يخاطب الشعب السعودي) وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر. والجيشان والحضارتان جند للعرب، وركن من أركان حضارتها».

وبإرادة هاتين الدولتين نشأت - بادئ ذي بدء - جامعة الدول العربية التي قال عنها البيان المشترك - السعودي المصري - آنذاك: «إن من دواعي سرورنا العظيم أن يكون اجتماعنا في هذا المكان التاريخي في الدار الجديدة لجامعة الدول العربية تلك الجامعة التي كان من حظنا وحظ إخواننا ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم: أن يضعوا أسسها وأن يرعوها فيقيموها على دعائم من التعاون والتكافل لخير العرب، وخير البشر كافة، ويستجيبوا كذلك لرغبات الشعوب العربية وآمالها. ونحن واثقون بأن جامعتنا وهي تؤدي هذه الرسالة لا تريد علوا ولا استكبارا على أمة أخرى، بل نرى أن من أسمى مقاصدنا ومقاصدها: التعاون مع أمم الأرض كلها على البر والحق والعدل والسلم الدائم».. هذه هي أسس العلاقة بين السعودية ومصر: تعاون ثنائي كريم على كل ما ينفع البلدين والشعبين.. وسياسة خارجية تتوخى الحق والعدل والسلم الدائم في العالم.

لا نكران لتموجات مرحلية شابت العلاقة بني البلدين، بيد أن القاعدة الثابتة هي: تواثق الأخوة، ورعاية المصالح، والاحترام المتبادل.

ومن جانبنا نحن السعوديين، فإن هناك دلائل وقرائن عديدة تبرهن على «النية السعودية الحسنة» تجاه مصر والمصريين.

من هذه الدلائل الملموسة: عزم المملكة العربية السعودية - في الآونة الأخيرة - على إقامة جسر ضخم يربط بينها وبين مصر.

هذا الجسر.. تعبير ملموس محسوس عن «النية» السعودية الطيبة تجاه الإخوة المصريين. بل هو دليل على «تبييت» النية الحسنة تجاه مصر عبر آماد بعيدة. كيف؟

إن الذي يعزم على إقامة جسر يربطه بشعب آخر بشكل يومي، أو على مدار الساعة، يكون قد خطط - في الوقت نفسه - على استدامة الصلة مع ذلك الشعب. فمن طبيعة مثل هذه الجسور: أن يمتد عمرها إلى عقود، بل إلى قرون. والجسر وسيلة إلى غاية.

بمعنى أن الأهم هو ما يترتب على إقامة الجسر وهو:

أ) سهولة التواصل البشري.

ب) تدفق الحركة واستمرارها وحيويتها (تجارة - عمالة - سياحة) الخ.

ج) نمو التعاون بين البلدين وتصاعده إلى أعلى مناسيبه في المجالات كافة.