صدِّق.. إذا سمحت

TT

يفترض في اليمن أنه البلد العربي الأكثر فقرا، والأقل تقدما وتعليما، والأشد قبلية والأحدث تحضرا. لكن حتى الآن كانت الثورة وما بعد الثورة في اليمن الأفضل مسلكا ونتائج. عاد الثوار من ساحات صنعاء، وكذلك خصومهم. وجلس في القصر رئيس جديد. واستقال رئيس الحرس الجمهوري قانعا في نهاية المطاف بأن لكل رئيس دولة حرسا. وعاد الموظفون إلى أعمالهم، وأطفأ الحراقون فتائلهم، ولا انفجارات (دقوا ع الخشب) أزلية مثل العراق، ولا مرشحون هزليون أو مرعبون كما في مصر، ولا انتقال من ميدان التحرير إلى العباسية، ولا حركات انفصالية كما في ليبيا، ولا شدة أو حدة كما في تونس.

كانت تنشر هذه الحالات في الصحف تحت باب الغرائب وصدق أو لا تصدق. ونريد أن نصدق بفرح نسبيا اليمن.. لكن هل من المعقول ما يجري في مصر؟.. ماذا يجري في مصر؟ هل رأيتم عسكريا يحرق المكتبة الوطنية؟ هل رأيتم عسكريا يملأ الساحات بالحجارة والشوارع بالحرائق؟ هل صحيح أن مصر لا تزال من دون رئيس أو دستور أو أمن أو طمأنينة؟ قبل 1952 أحرقت القاهرة مرة واحدة، فكم مرة أحرقت منذ «25 يناير» حتى اليوم؟

وماذا تريد «25 يناير»؟.. هل تريد مصر من دون مبارك أم من دون الجيش؟ هل تريد ثورة للإطاحة بالنظام أم بالدولة والأمن والمستقبل؟ وماذا ومن يمثل هؤلاء المراهقون الذين يعرضون علينا في التلفزيون مكرّين مفرّين محرقين قاتلين ومقتولين؟ إن بعض «25 يناير» أو بعض المتلحفين بها يسيئون إلى الحرية بقدر ما أساءت المعارضة الكويتية الحديثة النعمة إلى البرلمانات والديمقراطية. ما كان أحد يتوقع أن تحقق المعارضة الكويتية في سقوطها ما حققت: لقد جعلت معارضين تاريخيين مثل الدكتور أحمد الخطيب وعبد اللطيف الدعيج في صف النظام.. ونقلت المحايدين والمستقلين إلى مربع الخائفين من ديمقراطية الشتم والتسافل واللهو بالمصير.

بدأت ثورة «25 يناير» هادئة منظمة وأخلاقية. كان الشبان والشابات يشتركون كل صباح في تنظيف ميدان التحرير. تعانق المحتجون مع العساكر وجلسوا على دباباتهم للصور التذكارية. الخلل الوحيد كان نزول الهجانة الحكومية، وتحليق طائرتي «سوخوي» فوق القاهرة. الصحافة العالمية جاءت ودهشت. نُخب مصر في الخارج جاءت تنضم إلى العرض الأخلاقي الراقي.

مَن الذي بدأ في إشعال الحرائق؟ من الذي خطف «25 يناير»، وإلى أين، وإلى متى؟ هل انتهت «25 يناير» قبل أن يصل من يمثلها إلى قصر القبة؟ ومن الذي يمثلها ويمثل مصر حقا؟ رجال الحقد والحرائق وصور العباسية؟ فلتقترع مصر لضميرها ومصيرها.