ما أشبه كذب اليوم بكذب الأمس

TT

عندما وقف كولن باول، وزير خارجية الولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة، ليقدم مرافعته الشهيرة في البراهين الدامغة لامتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل، وكان كل من سمع أو حضر يعلم أنه يهذي ويقدم عرضا طفوليا بطريقة ساذجة لكونه عسكريا، فكان كبش فداء آنذاك للسياسة الأميركية، في حين كشف فيما بعد مدى الغباء الكامن في نفسه، يومها اعتقدت أن بوش الابن يريد تصحيح خطأ بوش الأب في فترة الستينات، فقلت: لعل وعسى، وذلك بإزالة صدام عن الحكم (غير مأسوفٍ عليه)، إلا أن النية كانت غير ذلك، والهدف تدمير العراق وخلق واقع جديد في المنطقة راح ضحيته مئات الآلاف من الأرواح البريئة، التي تستحق محاكمة لكل المجرمين، لو تحقق العدل في الأرض.

ذاك بالأمس، أما اليوم، فإن بشار الجعفري سفير النظام الأسدي في الأمم المتحدة يقف مكان باول، ويقدم مرافعة بطريقة مغايرة مكمنها الخبث والكذب والتزوير المسبق وتضليل العالم أجمع من خلال قيادة الدبلوماسية الخارجية لسوريا، فكان له ما أراد، فغطى دول الفيتو لاتخاذ قرارها بيسر وسهولة، فمن المعطيات التي سردها بعد البيانات الفاضحة عن الجماعات الافتراضية الإرهابية، التي لم تكن من كوكب الأرض، وضياعنا بينه وبين أسياده في تحديد هويتهم، بدءا بالخطيب الممل الزعيم مغتصب دمشق، وانتهاء بالببغاء المغفل السيد المعلم. فمما أتحفنا به من أفكار هو كيفية هدم البيوت التي رآها العالم أجمع في حمص، فقال: فجرها الإرهابيون، وتعجبت: كيف يفجر الإرهابي بيتا من خلال الجدار محدثا ثقبا كبيرا، ولم يكن التفجير في أساس الجدار؟! كذلك ما طاقة المتفجرات المملوكة لدى الإرهابيين لتعم بيوت حمص وحدها، فضلا عن سوريا بأكملها؟! ثم تساءلت: هل حمزة الخطيب الطفل الصغير فجر المنازل وهو ما زال يتعلم أبجديات الحروف؟

النظام الذي يطلق الصواريخ وقاذفات المدفعية على شعبه لا شك أنه مريض مجرم جبان يستحق محاكم الإبادة الجماعية. والذي يؤكد لي أن الجعفري متمم للنظام بجرمه في الخارج عندما طالب في اللحظة الأخيرة من خطة أنان توقيعا مكتوبا من المعارضة بالالتزام بالاتفاقية، ولم أكن أسمع بهذا من قبل حتى تفتق بها ذهن الجعفري، وكأن المعارضة مجهزة بجيش عظيم عرمرم والنظام السوري ضعيف يخشى البطش. فوحاله في هذا الوصف كحال الذئب مع الخروف عندما طلب من الخروف عدم تعكير الماء، أدركت حينها - وهو ما حثني على كتابة هذا المقال - وجوب ضم الجعفري إلى مجرمي الزمرة الحاكمة وتقديمه معهم إلى محكمة جرائم الحرب، لأنه مشارك في التغطية والستر على جرائم المجموعة الهمجية السادية، لذا أطلب راجيا من القانونيين دراسة ملفه الإجرامي المحترف وصياغة التكييف القانوني والدليل الإجرامي حتى تقدم إلى المحاكمة المنتظرة، بإذن الله، مع زمرته.

الحياة موقف، والرجل بمواقفه، والجعفري لم يقف وقف شلقم في نفس المكان على مرأى العالم وقفة الرجل البطل مع شعبه، ستبقى مسطّرة له في التاريخ يقرأها ولد ولده بفخر، وأما هو فقد رضي أن يكون شاهد زور على شعب سوريا في محنته ليقتله النظام، ورفض أن يكون كزميله شلقم، وسيأتي اليوم الذي يستحي فيه ولد ولده من اسمه لأن التاريخ سيسطر ما فعله.

وأنتم يا أهل الشام وأكناف بيت المقدس لن يضيع الله لكم عملا وليس لكم إلا الله بتخاذل المتخاذلين، فبدمائكم تغسلون عقيدة الأمة لتستفيق من غفوتها، وأما نساؤكم، فهن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وجب على كل من حمل في جنباته الإيمان أن يرعاهن كل الرعاية ولا يدع للطامعين فيهن دنية، ولا أقول إلا كما قال صاحب حمص، التي ضم ترابها جسده الطاهر؛ فلا نامت أعين الجبناء.

* كاتب أردني مقيم في أميركا