هل سيعيد التاريخ نفسه؟

TT

من المعضلات التاريخية التي حيرت المؤرخين والآثاريين، لماذا وكيف انهارت المملكة المصرية القديمة قبل 4200 سنة؟ فلم تتعرض مصر عندئذ لغزو أجنبي ولا حدثت ثورة أو حرب أهلية. يرى العالم الآثاري المصري فكري حسن أن ذلك حدث بسبب مجاعة اجتاحت البلاد. يستدل على ذلك من كثرة المقابر التي تخلفت من ذلك العهد واحتوت على هياكل موتى في أوضاع تدل على أنهم ماتوا جوعا. لاحظ أيضا كتابات هيروغليفية وصورا توحي بذلك منحوتة على الحجر تدل على ما وقع. فما الذي حدث؟ ولماذا في هذا البلد الخصب؟ قام العلماء بأبحاث كثيرة ومتشعبة وتوصلوا إلى أن تغيرا خطيرا حصل في مناخ الكرة الأرضية عندئذ وأثر على عموم منطقة البحر المتوسط بما أدى إلى جفاف الأرض وشحة الماء، وبالتالي هلاك الزرع والضرع.

هكذا هلك الكثير من ممالك الدول القديمة، مما يرد له ذكر في الكتب السماوية عن عاد وثمود ونمرود ولوط ونحو ذلك.

تعرضت مصر لمجاعات كثيرة في تاريخها. كان منها ما وقع في ظل التاريخ الإسلامي. ومنها ما جرى في القرن الخامس الهجري، فروى ابن الجوزي أن الجوع والوباء حل في مصر حتى أكل الناس بعضهم بعضا... وخرج وزير صاحب مصر فنزل عن بغلته فأخذها ثلاثة فأكلوها وصلبوا. وأصبح الناس لا يرون غير عظامهم تحت خشبهم... إلخ.

لعل هذا ما يفسر هوس المصريين تاريخيا بالزواج والجنس والإخصاب، فهو أسلوب الطبيعة لمغالبة الطبيعة وتحقيق بقاء النوع بالتعويض عمن يهلكون، ومن ثم بقاء الإنسان على حوض النيل.

نسمع في هذه الأيام أن بسطاء المصريين لم يعودوا يفكرون بشيء غير الخبز. والعن أبو الديمقراطية والاشتراكية والعلمانية وتحرير فلسطين وكل ما يشغلون فكرنا به.

بالطبع لا نتوقع اليوم أن تعم مجاعة في مصر بحيث يأكل الناس الإخوان المسلمين، فنحن نعيش في عالم جديد، ومن نعم هذا العالم العلماني التضامن الدولي. لم تعد الأسرة الدولية تسمح لشعب يموت جوعا. علينا أن نتذكر في الواقع أن مصر في عهد حسني مبارك اعتمدت إلى حد كبير على معونات القمح الأميركي. ولا أعتقد أن الشاب العاطل في حي العجوزة مثلا سيسأل ما إذا كان رغيف الخبز الذي يأكله قد جاءه من إسرائيل. بيد أن علينا أن نتذكر أن المجاعة التي اجتاحت مصر قبل 4200 سنة قد أدت لانهيار كيان المملكة ودخول البلاد في فوضى استمرت لنحو قرن من الزمن.

هذا شيء يمكن أن نتوقع حدوثه، وما يجري في هذه الأيام قد يومئ لذلك.

ولكن ما الذي جر حبيبتي مصر للوقوع في هذا المأزق؟ لم تتعرض لكارثة بيئية أو مناخية خطيرة. كل ما في الأمر أن ما تنتجه الأرض لم يعد كافيا لمن عليها، وأن من عليها أساءوا رعيها، وتجاوزوا قدراتها، وتكبروا وكفر البعض بعيشهم وترفهم. السبب الآخر هو أن نعمة الطب والعلوم تحولت إلى نقمة الفقر والحاجة. قل موت الأطفال وازداد عمر الإنسان فقفز عدد السكان وما من مخرج.