هل ثمة انتعاش اقتصادي قادم؟

TT

مع كثرة الحديث هذه الأيام عن انهيار أميركا الاقتصادي، ربما يبدو من الغريب التفكير في احتمالات حدوث انتعاش اقتصادي في أميركا بعد نحو عشر سنوات من الآن. لكن تلك هي النتيجة التي توصلت إليها دراستان جديدتان، جعلتاني أفكر مثل بانغلوس - شخصية فولتير الشهيرة التي جسدت مفهوم التفاؤل بشكل ساخر.

يتوقع هؤلاء المحللون علاج اثنتين من كبرى المشكلات الاقتصادية التي تواجه أميركا في الفترات الأخيرة – الاعتماد على الطاقة الأجنبية، مع التهديد بقطع الإمداد، وانهيار قطاع التصنيع في مواجهة المنافسة الأجنبية الأقل تكلفة. ويرى المحللون أن المشكلتين في طريقهما للحل.

أولا، ادعاء أن أميركا تدخل حقبة جديدة من تأمين الطاقة: الخبير هنا هو روبين ويست، أحد أصدقائي والذي يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة «بي إف سي إنيرجي»، الشركة الاستشارية الكائنة في واشنطن. ويشير في سلسلة تقارير حديثة إلى عملاء يرون أنه بسبب التوسع السريع في إنتاج النفط والغاز من الطفل الصفحي، من المرجح أن تصبح أميركا بحلول عام 2020 المنتج الأول في العالم للنفط والغاز والوقود الحيوي، متفوقة على القوتين العظميين في إنتاج الطاقة، روسيا والمملكة العربية السعودية.

ويوضح ويست أن الطفرة في إنتاج الغاز الطبيعي تشير إلى تحول دراماتيكي في واردات النفط، ومن ثم، تأمين إمدادات الطاقة الأميركية. ويتوقع أن ينخفض إجمالي واردات النفط والغاز الطبيعي من إجمالي طلب تبلغ نسبته نحو 52 في المائة في عام 2010 إلى 22 في المائة بحلول عام 2020. بل وقد يبدو الإجمالي أكبر، في حالة تضمين الإمدادات من كندا.

«هذا هو المكافئ في مجال الطاقة لسقوط جدار برلين»، يقول ويست. ويضيف: «مثلما انتهت صدمة الحرب الباردة في برلين، تنتهي صدمة حظر النفط في عام 1973 الآن». وتعتبر الدلالات الجيوسياسية لهذا التحول مذهلة. يقول ويست: «لن نعتمد بعد الآن على الشرق الأوسط، أو ندخل في منافسة مع دول مثل الصين أو الهند لتوفير مصادر طاقة».

سيكون تأمين الطاقة إحدى دعائم رخاء اقتصادي جديد. أما الدعامة الأخرى، فستتمثل في إحياء قطاع التصنيع الأميركي وغيره من القطاعات الأخرى. سيكون ذلك مدفوعا بصورة جزئية بالتكلفة المنخفضة للكهرباء في الولايات المتحدة، التي يتوقع ويست أن تظل ثابتة نسبيا على مدار بقية العقد، وأن يكون نصف إلى ثلث ذلك من منافسين اقتصاديين على غرار إسبانيا أو فرنسا أو ألمانيا.

يعتبر انتعاش قطاع التصنيع المستقبلي موضوعا للكثير من الدراسات التي أجرتها مجموعة «بوسطن» الاستشارية. وسوف أركز في هذا الموضوع على أحدث واحدة منها، «قطاع التصنيع الأميركي يقترب من نقطة التحول»، والتي كشف النقاب عنها في مارس (آذار).

ما يجري، بحسب مجموعة «بوسطن» الاستشارية، هو العودة مرة أخرى إلى قطاع التصنيع الأميركي الذي كان قد هاجر من قبل للخارج، خاصة للصين. وتشير تقديرات محللين إلى أنه بحلول عام 2015، سوف تتقلص ميزة التكلفة إلى الدرجة التي ستجعل الكثير من المصنعين يفضلون فتح مصانع في الولايات المتحدة. في منطقة التصنيع الضخمة المحيطة بشنغهاي، سوف يقدر إجمالي حزم التعويضات بنحو 25 في المائة من تلك الحزم المخصصة للعاملين المناظرين في ولايات التصنيع الأميركية منخفضة التكلفة. لكن بالنظر إلى الإنتاجية الأميركية العالية، سوف تقدر تكاليف العمالة الفعلية بنحو 60 في المائة من تلك التكاليف في أميركا - وهي ليست نسبة منخفضة بالدرجة الكافية لتعويض المصنعين الأميركيين عن المخاطر وتقلب العمليات في الصين.

خلال نحو خمس سنوات، بحسب اقتصاديين من مجموعة «بوسطن» الاستشارية، سوف يصل التوازن بين التكاليف والمخاطر إلى نقطة تحول في سبعة قطاعات رئيسية، حيث كانت قطاعات التصنيع تنتقل إلى الصين، بما في ذلك أجهزة الكومبيوتر والإلكترونيات والأجهزة الكهربائية والماكينات والأثاث والمعادن والمواد البلاستيكية والمطاط وسلع النقل. شكلت القطاعات الصناعية مجتمعة سوقا تقترب قيمتها من تريليوني دولار في الولايات المتحدة في عام 2010، مع مساهمة الصين بنحو 200 مليار دولار من هذا الإجمالي.

ومع عودة المصنعين في تلك القطاعات «التي تشهد نقطة تحول فاصلة» مجددا إلى أميركا، بحسب تقديرات مجموعة «بوسطن» الاستشارية، سوف يضيف الاقتصاد الأميركي قيمة تتراوح ما بين 80 إلى 120 مليار دولار للناتج السنوي، وعددا من الوظائف الجديدة يتراوح ما بين مليوني إلى ثلاثة ملايين وظيفة جديدة، في صورة تصنيع مباشر وتوظيف ناتج عنه. ولتكملة هذه الصورة الوردية، يتوقع المحللون أنه في غضون نحو خمس سنوات، سوف تزيد الصادرات الأميركية بقيمة 65 مليار دولار سنويا على الأقل.

انتظر يا سيد بانغلوس. إنها مجرد تقديرات لاقتصاديين. ما الذي يقوله المصنعون الحقيقيون؟ حسنا، مجموعة «بوسطن» الاستشارية لديها أرقام جديدة بهذا الشأن أيضا. في أبريل (نيسان)، نشرت شركة الاستشارات استبيانا لمسؤولين تنفيذيين في 106 شركات كائنة في الولايات المتحدة، تزيد مبيعاتها السنوية عن مليار دولار. وأشارت نسبة سبعة وثلاثين في المائة منها إلى أنها تخطط للعودة إلى تنفيذ عمليات التصنيع داخل الولايات المتحدة أو «تدرس بجدية» تلك الخطوة. ومن بين الشركات الكبرى التي يزيد حجم مبيعاتها عن 10 مليارات دولار، ارتفع رد الفعل الإيجابي إلى نسبة 48 في المائة.

لقد أصبح الحديث عن تدهور الاقتصاد الأميركي شائعا داخل أوساط المفكرين السياسيين. ما زالت الدولة تعاني مشكلات سياسية حادة، لكن الأرقام الواردة في هذه الدراسات الجديدة تجعلني أتساءل عما إذا كان جانب من هذا التشاؤم في غير محله.

* خدمة «واشنطن بوست»