لماذا يحاول «الإخوان» تعطيل انتخابات الرئاسة؟

TT

دعت جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات المتحالفة معها إلى مظاهرة مليونية في 4 مايو (أيار) الماضي، وهددت بالزحف إلى ميدان العباسية لمواجهة المجلس العسكري في وزارة الدفاع. وفي مظاهرة أطلقوا عليها «جمعة الزحف» أو «جمعة النهاية»، طالب «الإخوان» وحلفاؤهم بإنهاء حكم العسكر وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية التي يرأسها المستشار فاروق سلطان. وبدلا من ممارستهم لأعمال الدعاية الانتخابية، بارك مرشح «الإخوان» محمد مرسي مظاهرة ميدان التحرير كما انضم أبو الفتوح إلى مظاهرة العباسية. وتمادى «الإخوان» في تهديداتهم، فأعلنوا أنهم سيبدأون اعتصاما مفتوحا إذا لم يتم الاستجابة لمطالبهم. ولما كان المجلس العسكري قد أعلن مرارا أنه ينوي تسليم السلطة لرئيس الجمهورية عند انتخابه بعد بضعة أسابيع، يتساءل الناس: ما السبب الحقيقي وراء هجوم «الإخوان» المفاجئ على جيش مصر والمجلس العسكري؟

حتى يمكننا التعرف على السبب الحقيقي وراء تصرف «الإخوان»، علينا الرجوع إلى تاريخهم القديم والتعرف على أهدافهم الحقيقية التي لا يعلنونها أمام الجماهير. فرغم أن هدفها منذ إنشائها سنة 1928 هو إحياء نظام الخلافة الذي سقط في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، فإن الجماعة لم تقرر إنشاء حزب سياسي يخوض الانتخابات ويحاول تحقيق هذا الهدف عن طريق الخيار البرلماني الديمقراطي. لهذا، لم يشارك «الإخوان» في أية انتخابات برلمانية في البداية، وكانوا يأملون إقناع الشعب المصري - وباقي الشعوب العربية - عن طريق دعوتهم التي أقاموها على أساس ديني. ثم تطور الأمر بعد ذلك عندما قام بعض شباب «الإخوان» بتشكيل جهاز سري، يتولى اغتيال الخصوم من القادة السياسيين، وتمكنوا من قتل أحمد ماهر باشا وإبراهيم باشا عبد الهادي في أربعينات القرن الماضي. لكن هذا التصرف لم يفدهم كثيرا، حيث انتقمت الشرطة منهم باغتيال رئيسهم حسن البنا، كما قامت الحكومة بحل جماعة الإخوان المسلمين.

ثم حانت الفرصة لـ«الإخوان» للعودة إلى واجهة الأحداث عندما تحالفوا مع البكباشي جمال عبد الناصر الذي كون جمعية الضباط الأحرار داخل الجيش، تتفق معهم في ضرورة قتل الزعماء السياسيين المعارضين لأهدافهم. لكن التحالف الإخواني - الناصري سرعان ما انتهى بعد عامين من الانقلاب العسكري في يوليو (تموز) 1952، حيث لم يوافق ناصر على إقامة خلافة إسلامية، ونادى بضرورة إقامة دولة عربية على أساس قومي. وبعد أن واجه «الإخوان» قهرا سياسيا من النظام الناصري، حدث تطور جديد في فكر الجماعة على يد سيد قطب، الذي دعا إلى ضرورة إسقاط الأنظمة القومية العربية بالقوة، حتى يمكن لـ«الإخوان» إقامة دولة الخلافة. عندئذ انقسم «الإخوان» إلى قسمين، قسم شكلته جماعة الجهاد وما نتج عنها من منظمات مثل «القاعدة»، قررت تنظيم عمليات إرهابية في الدول العربية والغربية، اعتبرته جهادا يؤدي إلى إضعاف النظم القائمة والتمهيد لظهور دولة الإسلام، وقسم آخر استمر يعمل في إطار المسموح به في مصر للسيطرة على النقابات المهنية، وهو الذي شارك بعد ذلك في الانتخابات البرلمانية منذ بداية حكم حسني مبارك.

بعد قيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، قرر «الإخوان» المشاركة في النشاط السياسي. ورغم أنهم لا يعتقدون إمكانية تحقيق أهدافهم عن طريق المشاركة في العمل الديمقراطي، فإنهم قرروا استخدام الطرق الديمقراطية للسيطرة على الحكم أولا، حتى يتمكنوا بعد ذلك من فرض النظام الإسلامي الذي يريدونه. وجاءت النتائج الأولى لمشاركتهم في العمل الديمقراطي تفوق كل توقعاتهم وأحلامهم، حيث سيطروا – مع حلفائهم الإسلاميين – على أكثر من 70 في المائة من مقاعد البرلمان المصري، وبدا الطريق أمامهم ممهدا لوضع الدستور الذي يسمح لهم بتغيير شكل الدولة كما يريدون.

لكن سعادة «الإخوان» بالسيطرة على البرلمان سرعان ما تحولت إلى قلق عميق عندما اعترضت الأحزاب السياسية والهيئات القومية على انفرادهم بوضع الدستور. ومما زاد هذا القلق كان قرار المحكمة الإدارية العليا بحل اللجنة التأسيسية للدستور التي اختاروها، وتضامن المجلس العسكري مع طوائف الشعب المصري في ضرورة تمثيل الجميع - بشكل متوازن - في وضع الدستور. وما زاد الطين بلة في موقف «الإخوان»، هو أن جميع استطلاعات الرأي باتت تشير إلى عدم قدرة عبد المنعم أبو الفتوح على الفوز في انتخابات الرئاسة من الجولة الأولى، وقد تقل فرصته في انتخابات الإعادة.

هنا، أدرك «الإخوان» ضرورة سيطرتهم على أجهزة الدولة قبل إجراء انتخابات الرئاسة، حتى تكون لهم الفرصة من إنجاح مرشحهم. ولما رفض المجلس العسكري إقالة حكومة الجنزوري، راح «الإخوان» يطالبون بإسقاط المجلس العسكري نفسه، ليتمكنوا من تغيير الحكومة وتشكيل لجنة الدستور كما يريدون، بل وبتغيير قضاة المحكمة الدستورية ورؤساء الشرطة، حتى لا تقف عقبة في طريقهم لإحكام سيطرتهم على الدولة المصرية، بما في ذلك الجيش.

كان من الممكن لخطة «الإخوان» أن تنجح لولا ما حدث من تغير في موقف الجماهير. فقد أراد «الإخوان» اشتباكا مع الجيش يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى، فيهب شعب مصر دفاعا عن الشهداء وإسقاط المجلس العسكري قبل انتخاب رئيس الجمهورية. لكن، ما لم يدركه «الإخوان» أن طيبة الشعب المصري الذي أعطاهم صوته في البرلمان، لا تعني أنه شعب مغفل. فقد فهم المصريون ما يريد «الإخوان» منهم ولم يعودوا راغبين في المضي في ذات الطريق.