عفوية القائد

TT

عندما كان الرئيس الأميركي أوباما يزور جامعة كولورادو، الأسبوع الماضي، تجمهر حوله حشد من الطلاب، فتسبب تدافعهم باتجاهه بأن وقع فنجان من لبن الفاكهة كانت تحمله طالبة، فأصاب لبن «الزبادي» بنطال الرئيس الأميركي وحراسه، فأسقط في يد الطالبة التي شعرت بحرج شديد، فما كان من الرئيس إلا أن هدأ من روعها وقالها لها «لا تقلقي.. صار لديك الآن قصة يمكن أن ترويها للناس.. أنا التي سكبت اللبن على الرئيس الأميركي وحراسه السريين!». ثم واصل مسيره بابتسامته المعهودة.

كانت رد فعل الرئيس أوباما عفويا جدا وذكيا، وقد ذكرني بمفارقة لزعيم عربي لمسه شخص في مكان عام مكتظ من دون قصد، نتيجة تدافع الحشود، فما كان من الحرس المرافق إلا أن دفعه بقوة بعيدا ولم يستنكر الزعيم هذا الموقف ومضى في موكبه!

ليست كل المواقف التي نتعرض لها تحتاج إلى جدية أو تجهم أو تذمر أو تعنيف، خصوصا حينما يتعلق الأمر بقائد تتجه نحوه عدسات الكاميرات وترقبه نظرات المحيطين به، وربما كان مثالا ملهما للجماهير. فرد الفعل العفوي أحيانا هو كل ما يحتاجه هذا القائد ليظهر الجانب العفوي من شخصيته، وأن الأمور مهما كانت صعبة أو محرجة يمكننا تداركها بذكاء.

وأذكر أن موقفا مشابها حدث للرئيس أوباما أثناء مقابلة أجريت له في البيت الأبيض مع تلفزيون «CNBC»، حيث فوجئ أوباما بذبابة تحوم حوله، ثم سكت فجأة عن الحديث، وجعل ينظر إليها وسط ذهول المذيع، وما إن وقعت الذبابة على ظاهر يد الرئيس اليسرى حتى هوى عليها بباطن كفه اليمنى.. ليقتلها! فسقطت على الأرض، ثم ركلها برجله، وسط ابتسامة المذيع وضحكات طاقم التصوير، ثم استأنف الاثنان اللقاء!

كثيرون من المشاهير والسياسيين على مر التاريخ يتعرضون لمواقف مشابهة، لكن ردود الفعل العفوية في هذه المواقف تكون أحيانا أبلغ من أي كلام منمق. والمسألة مسألة اختيار، فالقائد هو الذي لديه دائما نعمة اختيار ردود فعله وعليه تحمل نتائجها.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]