أسانج قد يطيح بـ«ويكيليكس»

TT

هل يحق لمؤسس وناشر موقع «ويكيليكس» الذي اعتبر ثورة في عالم الصحافة الاستقصائية التي تقوم على الاستقلالية والشفافية، أن يقدم برنامجا تلفزيونيا عبر شاشة ممولة من الكرملين؟!

كيف لـ«جوليان أسانج» الذي أتعب الغرب فاضحا حكومات وإدارات بأكملها، كاشفا بالوثائق فسادا وتعذيبا وقذارات استخباراتية، أن يكون جزءا من ماكينة إعلامية لنظام يتصدره فلاديمير بوتين الذي له ما نعرف من تاريخ دموي في الشيشان، وفي مطاردة وقمع معارضي الداخل، ودعم أنظمة تسلطية مثل إيران وسوريا؟

ليس برنامج «عالم الغد» الذي يقدمه أسانج عبر قناة «روسيا اليوم» إعلاما استقصائيا، وهو حتما ليس حياديا..

يدرك أسانج تماما هذا التناقض، وهو أعلن صراحة أنه لا يكترث له.

«في الوقت الحاضر مواجهتنا الرئيسية (أي ويكيليكس) هي مع الغرب»، بحسب ما قال حرفيا في مقابلة أجريت مؤخرا معه من مقر إقامته الجبرية في جنوب بريطانيا، وهو المقر الذي يجري منه وعبر الأقمار الاصطناعية مقابلاته.

إذن، معركة «ويكيليكس» الآن هي مع الغرب، وبالتالي فإن التغاضي عن سياسات الكرملين وبوتين أمر جائز الآن.

لا نعرف زمن هذه المعركة مع الغرب، ولا كيف يمكن أن تنتهي بالنسبة إلى أسانج، ولكن طالما أن الوجهة الآن هي ضد الغرب فسيبقى متحالفا مع قناة «روسيا اليوم» التي رأى أنها «شريك طبيعي» لبث مواده.

في الحقيقة ليس الهدف مما تقدم النيل من إنجازات فعلية قدمها للرأي العام العالمي موقع «ويكيليكس». كما ليس الهدف القول إن وسائل الإعلام غير «روسيا اليوم» هي مثال في الحيادية والاستقلال، لكن في قبول أسانج أن يستفيد منه الكرملين في «معركته مع الغرب» وأن يكون في مقابلاته التي كانت أولاها مع الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بهذه السهولة، درجة من الخفة لا تناسب ما كسبه «ويكيليكس» من مصداقية خلال عمله. فقد بدا مؤسس «ويكيليكس» بين يدي أمين عام حزب الله لينا طائعا، وهو لم يستفد من وثائق في حوزته خلال حواره. فحوار مع نصر الله في لحظة سياسية كالتي نعيشها، تتطلب صحافيا غير ذاك الذي كانه أسانج في المقابلة. فضيف أسانج تدنت شعبيته خلال الثورة السورية إلى مستويات غير مسبوقة بسبب انحيازه إلى النظام ضد الشعب، وموقف حزب الله من الثورات العربية يتخبط بين ترحيب في الثورة المصرية، ثم انكفاء عن الترحيب، وبين إنكار على السوريين حقهم في الثورة، وانحياز لثورة البحرين. خط طائفي واضح يفصل بين المواقف، وكل هذا كان خارج النقاش.. ثالث مقابلات أسانج كانت مع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي. كان فيها أسانج الضيف لكثرة ما استحضر تجربته مقارنا بينها وبين تجربة المرزوقي، وهذه ليست من صفات الصحافي الاستقصائي.

ليس افتراء القول إن أسانج يهدد تجربة «ويكيليكس» عبر انغماسه في أداء تلفزيوني رديء. فبغض النظر عن النقاش الذي صاحب نشر وثائق «ويكيليكس»، فقد شكلت هذه الوثائق سابقة استثنائية مهمة في مجال الصحافة الاستقصائية. من الواضح أن صاحب الموقع يتلاعب بهذا الإرث الاستقصائي.

diana@ asharqalawsat.com