يوم كانت ليبيا كل شمال أفريقيا!

TT

أطلق اليونانيون اسم ليبيا على شمال أفريقيا برمته. واستعاده الاستعمار الإيطالي ليطلقه على ليبيا الحالية، بعدما كانت برقة قد انجذبت إلى مصر في القرون الوسطى وارتبطت طرابلس الغرب ارتباطا وثيقا بتونس. وناضل الليبيون ضد الحكم التركي أوائل القرن التاسع عشر بقيادة السنوسيين، كما ناضلوا ضد الاستعمار الإيطالي أوائل القرن العشرين، ودائما بقيادة السنوسيين، الذين أسس زاويتهم محمد السنوسي، الجزائري البربري الأصل، ثم أبادها بعد قرن القائد الملهم.

استعد الإيطاليون نحو ربع قرن قبل الانقضاض على ليبيا. وفي عام 1900 تواطؤوا مع فرنسا بحيث تترك لهم طرابلس ويتركون لها مراكش. وكما قسم الفرنسيون والإنجليز المشرق العربي في سايكس بيكو قسم الأوروبيون والروس بلاد المغرب، إذ اعترف الألمان والفرنسيون والإنجليز لروسيا بـ«حقوقها» في مضائق الدردنيل. وأيدت بريطانيا إيطاليا لأنها فضلت وجود دولة ضعيفة بجوار مصر. وكما ادعت فرنسا أن الجزائر جزء من فرنسا، ادعى الإيطاليون أن ليبيا «جزء طبيعي» من إيطاليا. وكما اشترى اليهود الأرض في فلسطين، اشترى الإيطاليون الأراضي في طرابلس في صفقات صورية. وفي عام 1911 فاجأوا الأتراك بحملة عسكرية هائلة، ساندها الإنجليز بإغلاق الطريق البحري أمامهم إلى طرابلس. استولى الإيطاليون خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1911 على طرابلس ودرنة والخمس وبنغازي. وأعلنت روما في الشهر التالي ضم طرابلس وأعطت البلاد اسم ليبيا.

عندما وقع الإيطاليون والأتراك الصلح كتب لينين مقالا تحدث فيه عن «وحشية الإمبرياليين الإيطاليين الذين ذبحوا عائلات بأكملها وقتلوا النساء والأطفال». وتكهن بأن حرب الاستقلال لن تهدأ. وهذا ما حدث طوال عشرين عاما انتهت باندحار الإيطاليين واستشهاد نحو ربع مليون ليبي، أشهرهم «شيخ الشهداء عمر المختار».

اختارت جمهورية القذافي أن تعيد كتابة تاريخ ليبيا فحصرته كله في عمر المختار، ملغية جهاد السنوسيين وقيادتهم وإدارتهم لحركة النضال في الشرق والغرب، كما ألغت الانتصارات التي حققوها على الرغم من تضافر القوى الاستعمارية عليهم.

قبل أن يعيد البعض ليبيا إلى تقسيمات القرون الوسطى، يحسن بالليبيين أن يقدموا تاريخا حديثا لأبنائهم. الثورة الحالية تلغي الثورة المضحكة من دون العودة إلى التاريخ الحقيقي للبلاد. وليس من الصعب إطلاقا العثور عليه في وثائق المستعمرين والمحايدين والمؤرخين. سمعت من بعض الشبان الليبيين كلاما مقلقا ينم عن جهل كلي بتاريخ البلاد. فهم للأسف لا يعرفون من التاريخ سوى صفحة التهريج التي يريدون إلغاءها.