النميري فارس الفكاهة السودانية

TT

لم يغب جعفر النميري عن ساحة السياسة العربية فقط وأصبح نسيا منسيا، وإنما غاب ذكره أيضا ومع جزيل الأسف عن ميدان الفكاهة العربية. فقد روى السودانيون الكثير من القفشات عنه وعن حكمه.

وما دمت قد تعرضت في الأيام الأخيرة لسجل القطط في تاريخ إنجلترا فمن الحق أن أتعرض أيضا لتاريخها في السودان. رغم كل ما تعانيه القطط والكلاب في عالمنا العربي، فالعجيب أنها لا تنفك عن الوجود والتكاثر في كل مكان. التفت إلى ذلك النميري فأوعز لمحافظ الخرطوم بالحد من نسلها، فأصدر هذا قرارا للحد من عدد القطط السائبة في العاصمة بمنح عشرة قروش لكل من يأتي بقط حيا أو ميتا. وكان النميري في زمانها يشن حملة على الخونة المتآمرين في البلاد. وفي اليوم التالي طلع الرسام الكاريكاتيري عز الدين بصورة تصور موكبا من الفئران تحمل لوحة كتب عليها: «نحن معكم! اضربوا الخونة بيد من حديد!».

بيد أن أكثر النكات دارت حول إفلاس الخزينة وجوع الجماهير. قالوا إن أحد حكام العرب استخدم أحد الخبراء الاقتصاديين السودانيين في تنظيم الدولة. ثم اقترح عليه إضافة وزارة للغابات. فقال له الخبير، ولكن أطال الله عمرك، لا توجد عندكم أي غابات ليكون لها وزيرها. فأجابه الحاكم قائلا، وماذا في ذلك؟ أنتم عندكم وزارة مالية رغم أنه لا توجد بيدكم أي أموال في السودان. وما أشبه الليلة بالبارحة.

وبعد رجوع النميري من القاهرة بعد تشييع جنازة عبد الناصر، شاء أن يفتش إحدى مؤسسات الدولة. لاحظ تأخر أحد الموظفين عن الدوام بثلاث ساعات، فاستجوبه عن ذلك. أجابه الموظف بأنه تأخر عن العمل لوفاة أحد جيرانه واضطراره للقيام بواجب الجيرة. فقال له النميري «ثلاث ساعات لتشييع جنازة»؟

- ليه لا؟ سيادتك قضيت سبعة أيام في القاهرة لتشييع جنازة عبد الناصر، يرحمه الله.

بيد أن جعفر النميري سقط في الأخير ضحية للمؤامرات التي ظلت تنغص نومه. تسلم الحكم اللواء سوار الذهب. وفي منفاه بعيدا عن البلاد، بادرته السيدة بثينة زوجته تقول: «تصدق يا جعفر.. نسيت خاتم دبلتي في الخرطوم». فأجابها ساخطا: «أنا نسيت سوار الذهب بحاله، وأنت تفكرين بخاتم الدبلة».

أخيرا تسلم عمر البشير زمام الأمور تحت شعار الإنقاذ الوطني. فأيده الترابي قائلا «بني الإنقاذ على خمس: حالة الطواري، والنوم الإجباري، والمشي كداري، والخبز الحجاري والبنزين التجاري.. لمن استطاع إليه سبيلا».

وكان البنزين التجاري التعبير المجازي الجديد للسوق السوداء. روى الظرفاء فقالوا إن الحكومة قررت مكافأة الشعب على صبرهم بأربعين جلدة للبالغين. وقف القوم في طابور طويل ينتظرون حقهم. فلاحظ العسكري المكلف بالجلد، أن أحد المواطنين راح يدفع الآخرين ويحاول أن ينط إلى مقدمة الصف. فسأله لماذا يفعل ذلك؟ فقال: «علشان أخاف يصير الجلد أيضا تجاري بكره ويزيد علي».

وما زلنا في آخرنا على ما كنا عليه في أولنا. والبركة في الطريق.