بين الثورة والثأر!

TT

الثورة عمل يهدف إلى التغيير الشامل لنظام وقيم وأفكار قديمة يرفضها الناس، إلى نظام وأفكار يرضون عنها.

في الثورة تذهب مصالح قديمة لأقلية وتصعد مصالح جديدة لأغلبية.

في الثورة كما قال أرسطو: «يهدم الناس الدستور القديم ويصوغون دستورهم الجديد المعبر عن أفكارهم ومصالحهم». ويصبح أحد مقاييس تقييم أي ثورة على مر التاريخ هو إنجازاتها مقابل كلفتها. إذا كانت الكلفة أعلى من الإنجاز أصبح المشروع الثوري فاشلا.

وأسوأ ما في الثورات هو التحول من إنصاف المظلومين إلى الثأر من النظام السابق دون وجه حق.

ولعل الإنسان منا، عليه أن يتوقف طويلا أمام عظمة التسامح الذي أظهره سيد الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وهو يفتح مكة بجيش قوي لا سبيل لوقوف أي إنسان أمام سيوفه وخيوله.. لم يدخل غازيا، ولا مستعرضا للقوة، ولا مستخدما لسلطة قهر النظام الجديد، بل رؤوفا، رحيما، ضاربا أفضل نموذج في التسامح والعدالة وضبط النفس.

في فتح مكة لم ينتهك جيش المسلمين حرمة، ولا تمت مصادرة قطعة ذهب واحدة، ولا تم الاعتداء على إنسان داخل بيته، وتم الحفاظ على مقامات وكرامات أهلها تحت مبدأ «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام».

أما نيلسون مانديلا، أحد أشهر المظلومين والمناضلين، الذي عانى شخصيا من ظلم حكم الأقلية البيضاء المستبدة في جنوب أفريقيا، فإنه كان أحرص ما يكون حينما تولى السلطة على نزع فتيل الثأر القبلي والثأر المضاد مع مرحلة حكم البيض.

وأرسى مانديلا ما يعرف باسم مبدأ العدالة الانتقالية القائمة على الاعتراف بالذنب والتطهر بغرض التصالح مع الماضي.

لا يمكن أن يستقر حال أي نظام قائم على مبدأ الثأر من كل ما سبق. لا توجد في التاريخ مرحلة ملائكية بلا أخطاء، ولا توجد أيضا مرحلة شيطانية بلا إيجابيات.

الذي لا يرى إلا الأبيض والأسود فقط دون درجات التدرج فيهما، يعاني بلا شك من حال فقدان البصيرة السياسية.