الخوف من الديكتاتورية

TT

من يستمع لتصريحات السيد مسعود بارزاني عن قلقه من عودة الديكتاتورية للعراق، يتصور أن الرجل يؤمن بالديمقراطية ويحترم المعارضة ويقدس التداول السلمي للسلطة، ولكن لم يسأل أحد منا السيد مسعود بارزاني: لماذا أنت تحكم إقليم كردستان منذ 22 سنة وولايتك الثانية ستنتهي عام 2013 وبموجب دستور الإقليم لا يحق لك الترشح لولاية ثالثة، إلا إذا كان هنالك تعديل سيجري على هذا الدستور ليبقى السيد بارزاني رئيسا لدورة ثالثة.

الكثير من المثقفين في العراق يعتقدون أن شخصا، مثل مسعود بارزاني، لا يزال ينظر للدولة من خلال النظرة الثورية وليس النظرة الدستورية، والعراق لا يحتاج ثوارا ومناضلين الآن، بل يحتاج قادة ورجال دولة ونخبا سياسية مدركة للواقع الجديد، ولا تتعكز على إرث الماضي الذي علينا مغادرته بسرعة والتطلع للمستقبل، لأن الثوار لا يبنون دولة بقدر ما إنهم يظلون يرددون شعارات نضالية لا تقدم رغيفا من الخبز ولا تبني مدرسة أو تنتج ديمقراطية، وواحدة من مشكلات العراق الحالية أن البعض يحاول إعادة إنتاج الماضي، والسيد بارزاني يحاول إعادة إنتاج القضية الكردية التي يجد الكثير من الأكراد أنها في العراق انتهت بانتصار كبير لها بنهاية النظام الشوفيني، وعلى ما يبدو أن السيد بارزاني غير مقتنع بأن القضية الكردية في العراق قد حلت بقناعة الأكراد أنفسهم، وبات المواطن الكردي وبموجب الدستور العراقي يشغل منصب رئيس الجمهورية في بلد ظل الأكراد فيه يعانون ليس من التهميش، بل من المطاردة والاعتقالات، وهذا ليس إنجازا للأكراد وحدهم بل للعرب أيضا، عرب العراق الذين يجدون أن للأكراد في العراق حصة وحصة كبيرة جدا، كفلها الدستور العراقي لهم ولا يمكن أن تكون هدية أو مكرمة من أحد لهم.

وفي الآونة الأخيرة، لم يكن السيد بارزاني بيضة القبان كما هو حال مام جلال، رئيس الجمهورية، الذي ظل يقف على مسافة واحدة من الجميع، وهو بصراحة الأكثر تفهما للسياسة والأقل تصريحا والأكثر فعالية، وبالمقابل، وجدنا أن السيد بارزاني لم يكن بيضة القبان بقدر ما كان طرفا في مشكلة، بدلا من أن يكون جزءا من الحل، والطرف المقصود هنا هو دفاعه غير المبرر عن نائب رئيس الجمهورية، طارق الهاشمي، هذا الدفاع الذي بُني على أنه استهداف لمكون عراقي ينتمي إليه الهاشمي، وهذا الدفاع يراد من خلاله إنتاج الطائفية بطريقة أو بأخرى، وأكثر الناس سذاجة أدركوا أن الغاية من دفاع السيد مسعود بارزاني تكمن في إبقاء التوترات الطائفية بين الكتل السياسية التي فعلا انجرت لهذا بشكل أو بآخر، لكنها فشلت في جر الشارع العراقي إلى هذا المخطط.

ولكن لم يسأل أحد منا لماذا لم يدافع السيد طالباني عن نائبه؟ رئيس الجمهورية بالتأكيد اطلع كما اطلع غيره على الأدلة والبراهين وبالتأكيد استمع لنائبه الذي كان في ضيافته فترة من الزمن، سمع منه الكثير وربما حاججه في نقاط كثيرة، وربما تأكد من صحة ما هو موجه إليه من تهم، ولم نسمع من رئيس الجمهورية، وهو المسؤول المباشر عن نائبه؛ بأن القضية سياسية وليست قضائية.

لهذا نجد أن السيد مسعود بارزاني يحاول إيهام الكرد بوجود عدو ديكتاتوري غاشم، وهو يعزف على وتر حساس للأكراد في العراق؛ وتر الجيش المخيف والطائرات المقاتلة، يحاول جاهدا أن يعيش الأكراد رعب الماضي ويبعدهم عن المستقبل بطريقة أو بأخرى، متناسيا أن من عمره 22 سنة من شبان كردستان لم يعرفوا صداما أو عمليات أنفال أو ما يتحدث عنه مسعود بارزاني من ديكتاتورية، لكنهم يعرفون أن الرجل الذي يحذرهم من الديكتاتورية المقبلة من المركز يحكم كردستان منذ 22 سنة، وسيظل يحكمها لسنوات كثيرة مقبلة طالما أن هناك »عدوا« يتربص بشعب كردستان ويريد القضاء عليه بطائرات «F16» وأسلحة صربيا وروسيا.