رياح الربيع ستهب على روسيا

TT

يمثل تنصيب فلاديمير بوتين يوم الاثنين رئيسا لروسيا لفترة ثالثة، قمة «الديمقراطية المروضة» بالنسبة للكرملين، حيث تظل العملية الانتخابية حيادية ولكن النتيجة محددة سلفا. يواجه بوتين هذه المرة مناخا سياسيا محليا مختلفا، حتى إنه لا يستطيع منع وصول ربيع الثورات إلى روسيا، إذا لم يقم بإصلاحات. ويجب على الغرب أن يكون مستعدا ومتأهبا ليلعب دورا في الضغط من أجل التغيير.

بعد الانتخابات الرئاسية التي تمت في 4 مارس (آذار) الماضي، انشغل المسؤولون في العواصم الأوروبية وواشنطن بتهنئة بوتين، بينما نظم عشرات الآلاف من المواطنين احتجاجات في ميدان بوشكين في موسكو مطالبين بحقوقهم.

لقد كنت هناك حين طالب الشعب الروسي بانتخابات جديدة حرة ونزيهة وبتسجيل الأحزاب السياسية المحظورة من قبل النظام. وكنت موجودا أيضا حين طالب الشعب الروسي بالعدالة في قضايا مثل قضية رجل الأعمال ميخائيل خودوركوفيسكي والراحل سيرغي ماغنيتسكي والصحافية آنا بوليتكوفسكايا. وكنت هناك حين تم نقل الروس في حافلات وحصلوا على مكافآت سخية نظير حضورهم المسرحية الهزلية الممثلة في دعم بوتين رئيسا في سباق الرئاسة.

ونتيجة للتظاهرات الحاشدة الأكبر في تاريخ روسيا الحديثة، أعلن الرئيس المنتهية ولايته، ديمتري ميدفيديف، التزامه بالقيام بالإصلاحات السياسية ومراجعة القوانين الخاصة بالانتخابات وتوسيع نطاق الحريات السياسية والانتخابات المباشرة للحكام المحليين.

بيد أن ما كان من الممكن أن يعتبر إرثا لرئاسة ميدفيديف ضعيف جدا. استبعد بوتين احتمالية إقامة انتخابات جديدة حرة ونزيهة؛ إذ تم وضع عراقيل في انتخابات الحكام المحليين، بجانب منع تشكيل كتل انتخابية. إن ما تم الترويج له على أنه مجموعة من الإصلاحات السياسية كان في الواقع مزيدا من التضييق على المعارضة السياسية.

يحتفظ الكرملين بقدر كبير من الحرية يكفل له استبعاد أي حزب من الأحزاب. إن التغييرات التي أجريت على نظام تكوين الأحزاب الحالي تجعل حزب «روسيا المتحدة»، وهو الحزب الحاكم، المستفيد الوحيد، في وقت تتقلص فيه قاعدة المؤيدين للحزب بسرعة. إن الدولة التي سوف يرأسها بوتين حاليا تختلف عن التي سلمها لميدفيديف عام 2008، أو التي أقنع مواطنيها بالتصويت لصالح حزب روسيا المتحدة في الانتخابات البرلمانية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

إن وعود التحديث وسيادة القانون وعود خاوية، إذ إن النظام السياسي الحاكم، الفاسد حتى النخاع، مستمر في التعثر. إن اقتصادا راكدا ومناخا تجاريا غامضا وبنية تحتية وقطاعا اجتماعيا متدهورا وميزانية غير مقنعة تعاني تضخما ونظام تقاعد يتم تمويله عن طريق رفع أسعار النفط، جميعها عوامل لا تمثل أساسا صلبا لتقدم الدولة على نحو مستدام.

علاوة على ذلك، يوجد الآن مجتمع مدني نشط، وطبقة وسطي تتميز بالحيوية، إلى جانب سكان موسكو المتعلمين، إضافة إلى معارضة سياسية من اليسار إلى اليمين ترفض أن تظل سلبية.

إذن، ماذا علينا أن نتوقع، بما أن الدولة تأمل أن تعود لما كانت عليه مرة ثانية في المستقبل؟

يعد التغيير في روسيا ضروريا وحتميا، كما أنه لا يصب فقط في مصلحة روسيا، وإنما في مصلحة الغرب أيضا. لا توجد بدائل للإصلاحات الجادة للنظام السياسي والقضائي، وفصل مجال العمل التجاري عن الحكومة، وترشيد النموذج الفيدرالي، والقضاء على البيروقراطية، ومحاربة الفساد، وتغيير النظام السوفياتي الأمني القديم.

تحتاج روسيا إلى إعادة هيكلة النظام، لكن يجب أن تأتي التغييرات من الداخل، حيث لن تكتسب مصداقية عند الشعب الروسي إذا لم تكن شرعية.

السؤال هو: ما الذي يجب عمله لدفع روسيا في الاتجاه الصحيح؟

إن سياسة الترضية المهذبة لم تنجح. تحتاج روسيا إلى التواصل والاحترام من العالم الخارجي أكثر مما يحتاج العالم الخارجي للغاز أو المواد الخام من روسيا. إذا كنا نؤمن إيمانا حقيقيا - كما أفعل أنا - بمستقبل ديمقراطي لروسيا، فيجب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اتباع نهج موحد يقومان من خلاله بتوظيف تأثيرهما على روسيا في دفعها نحو القيام بإصلاحات وإجراء انتخابات حرة نزيهة والتنافس السياسي الحقيقي.

أولا، يجب ألا تكون هناك مؤتمرات قمة أخرى لمناقشة التحديث دون مناقشة الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.

ثانيا، تبني قوانين موحدة على جانبي المحيط الأطلنطي لمنع تأشيرات السفر ولتجميد أصول المسؤولين الروس وعائلاتهم، المشاركين أو المتواطئين في قتل سيرغي ماغنيتسكي، المحامي الذي قتل في السجن بعد أن كشف جرائم تهرب ضريبي من قبل مسؤولين، قد يكون له أثر كبير.

ثالثا، إعادة إحياء اتفاقية هلسنكي التي تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في روسيا، حيث يمكن أن تكون أداة فعالة لتعزيز التغيير. وبناء على اتفاقية هلسنكي عام 1975، يجب على المجتمع الدولي أن يوحد جهوده من أجل مساندة المجتمع المدني الروسي.

إن روسيا بلد ضخم يعتز أهله بأنفسهم، فيجب على المجتمع الدولي أن يتحدث بصراحة وأن يتصرف بحزم. ولكن من الضروري أن يأتي التغيير من داخل روسيا.. احترس يا بوتين، ربيع الثورات آت.

* رئيس وزراء بلجيكا السابق وقائد مجموعة الليبراليين والديمقراطيين في البرلمان الأوروبي

* خدمة «نيويورك تايمز»