فاتورة المستشفى.. فروق كبيرة في السعر دون مبرر

TT

قد يتفهم المرء أن التكلفة المادية لدخول المريض إلى المستشفى لمعالجة «التهاب الزائدة الدودية غير المصحوب بأي مضاعفات» uncomplicated acute appendicitis، مختلفة بين دول مثل بنغلاديش والولايات المتحدة، أو بين بريطانيا والأوروغواي، أو بين كندا وأوغندا. ولكن هل نحن على استعداد أن نصدق أو نتفهم دواعي أن تكون «فاتورة» معالجة هذه الزائدة الدودية الملتهبة من دون أي مضاعفات تتراوح تكلفتها في المستشفيات الأميركية بين 1500 دولار و180 ألف دولار؟! أي أن «الفاتورة» في مستشفى أميركي هي 120 ضعف «الفاتورة» في مستشفى أميركي آخر. ولكن هذه هي الحقيقة. أما لماذا؟ فهذا ما يحير العاملين في الأوساط الطبية قبل غيرهم، وتسبب بالفعل نشر تلك الحقيقة مؤخرا في سجال ضمن الأوساط الطبية تلك بالولايات المتحدة.

وفي عدد 23 أبريل (نيسان) الماضي من مجلة «أرشيفات الطب الباطني» الأميركية Archives of Internal Medicine، نشر الباحثون من ولاية كاليفورنيا الأميركية نتائج دراستهم لتكلفة معالجة أكثر من 19 ألف حالة لـ«التهاب الزائدة الدودية غير المصحوب بمضاعفات» خلال عام 2009. المرضى الذين شملتهم الدراسة تراوحت أعمارهم ما بين 18 و59 سنة، وقضوا في المستشفى 3 أيام فقط أو أقل، وأجريت لغالبيتهم العظمى «عملية استئصال الزائدة» الملتهبة لهم appendectomy. ووجد الباحثون أن «معدل التكلفة» هو 34 ألف دولار. وهذا رقم قد يعادل تكلفة إجراء عملية جراحة القلب المفتوح لشرايين القلب في إحدى دول الشرق الأوسط أو بقية دول آسيا، وليس مجرد استئصال الزائدة الدودية فقط. كما وجد الباحثون أن أدنى رقم لـ«فاتورة» معالجة الزائدة الدودية في مستشفى أميركي هو 1500 دولار، وأعلى رقم لـ«الفاتورة» تلك هو 180 ألف دولار.

ورغم محاولات الباحثين تحليل كل العوامل المصاحبة التي قد تفسر أو تعلل هذا الفرق الواسع في التكلفة المادية لمعالجة تلك الزائدة غير المصحوبة بالمضاعفات، ظل الباحثون متحيرين في تبرير هذا الاختلاف لدى أكثر من ثلث المرضى أولئك. وخاصة أولئك الذين تتم معالجتهم في مستشفيات تهدف إلى الربح المادي صراحة for - profit hospitals.

وعلقت ماري واتي، الناطق الرسمي باسم رابطة المستشفيات الأميركية American Hospital Association، على الدراسة ونتائجها بالقول: «إن مسار المعالجة يختلف من مريض لآخر، والتكلفة المادية المطلوبة من المريض تشمل أكثر من مجرد التكلفة المادية لرعايته ومعالجته بشكل شخصي». ولتوضيح هذه العبارة، تشير تقارير رابطة المستشفيات الأميركية لكيفية حساب المستشفيات قيمة فاتورة معالجة المريض إلى أن صناعة الفاتورة تخضع لعدة عوامل، أحد أهمها التكلفة المادية للحفاظ على تشغيل الخدمات الصحية الأساسية maintaining essential health care services كي تتمكن المستشفى ككل امتلاك القدرة على استقبال ومعالجة المرضى 24 ساعة يوميا وخلال الـ7 أيام للأسبوع وطوال العام، وحتى في حالات حصول الكوارث البيئية أو الصحية. وأضافت: «ثمة أنواع مختلفة من المستشفيات، وكل منها تتكبد عبء نفقات مادية مختلفة. وبعض المستشفيات عليها عبء كبير في مجالات تدريب الأطباء أو إجراء البحوث والدراسات الطبية، وبعضها يقتصر على تقديم نوع متخصص من الرعاية الطبية للمرضى كوحدات معالجة الحروق أو إصابات الحوادث، ويوفر نوع آخر من المستشفيات خدمات المعالجة الطبية للمرضى غير القادرين على دفع التكاليف المادية الباهظة للمعالجات. واستطردت: «الأرقام في الدراسة تعكس مقدار التكلفة المادية المكتوبة في الفاتورة التي أعطيت للمريض وليس ما دفعه المريض للمستشفى بالفعل». ولكنها اعترفت بأن شركات التأمين قد تتفاوض مع المستشفيات لخفض تلك الأرقام، إلا أن ذلك ليس للمرضى غير المشمولين بالتأمين.

وكان الباحثون قد قالوا في دراستهم: «هذه النتائج تشير إلى عيوب وتصدعات خطيرة serious flaws في نظام الرعاية الصحية، وأن المرضى المشمولين في التأمين محميون من تلك التكاليف المادية الباهظة، أما غيرهم فيتلقون (فواتير فاضحة) exorbitant bills، على حد قولهم، دون أن يدرك أولئك المرضى ما الذي تعنيه أرقام التكاليف المادية تلك». وأضافوا بالقول: «فكرة نظرية السوق لا تنطبق ولا تناسب مجال الرعاية الصحية وخدماتها للمرضى، والمزيد من الجهد يجب أن يبذل كي تتم مساعدة المرضى ليكونوا مستهلكين». وجعل المريض «مستهلكا بالفعل» هو ما علق عليه إدوارد هوارد، مساعد رئيس التحالف من أجل الصحة بالولايات المتحدة Alliance for Health Reform، بقوله: «مطلوب المزيد من الجهود لرفع مستوى الشفافية، وعلينا أن نصنع طرقا جديدة لدفع المستشفيات والأطباء على خدمة المرضى بأعلى مستوى للجودة وبأسعار أقل». وأضاف: «ومن غير العملي والمنطقي أن نتوقع أن يقارن المرضى أنفسهم بين أسعار المعالجة فيما بين المستشفيات قبل ذهابهم إليها وهم في حالات إسعافية تتطلب سرعة الوصول إلى المستشفى». وقال الدكتور أنتوني شيه، نائب الرئيس التنفيذي للبرامج في صندوق الكومنولث بالولايات المتحدة: «هذا التباين والاختلاف في الأسعار ليس فقط غير منطقي وغير مفهوم، بل هو غير منصف وله أسباب إدارية معقدة. وهناك أدلة علمية متزايدة على أن الأسعار ليس فقط مختلفة بشكل كبير بين المستشفيات في كافة الولايات، بل في الولاية الواحدة قد تختلف أسعار نفس الخدمة الطبية بمقدار يصل إلى 6 أضعاف».

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]