يمارسها سائر المخادعين

TT

استخدمت جميع القوى سلاح «البروباغندا»، أي التلفيق، في جميع العصور. استخدمها الأميركيون في الصحف والإذاعات والسينما والرسوم المتحركة وأفلام والت ديزني. حتى «دونالد»، فرخ البط، اشتغل لصالح الحكومة الأميركية. واستخدمها الشيوعيون وقبلهم النازيون وأشهرهم جوزيف غوبلز، وزير إعلام هتلر.

في «وجهة نظر وسفر» (دار «النهار») يقدم رمزي نجار خلاصات تجربة غنية في عالم الإعلان والإعلام، وهو عالم معلن الوجه، خفي الوجوه، كثير الإنفاق. تقوم «البروباغندا» على مجموعة من العناصر، أهمها تعزيز الخوف والمخاوف، وربط قوة الدولة بمصير شعوبها، وإثارة الغرائز، وتحفيز المواطن على العنف، واستغلال أقوال النقاد في مديح النظام، والبحث الدائم عن «كبش محرقة» يلقى به إلى النار.

تركز «البروباغندا» على تمجيد الزعيم وعبادة الشخصية. ترفع شعارات منمقة وفارغة أو كاذبة. تستخدم جوقات من الكذبة المحترفين. تضخم الأكاذيب وتقلل من حجم الحقائق. تغلف الهزائم بالنصر والفشل بالنجاح. ولم تعد «البروباغندا» ذات تأثير عند الشعوب العقلانية، كما في أوروبا، لكنها لا تزال تخلب العقول والقلوب عند الشعوب العاطفية والمغمضة العينين.

تستخدم الديمقراطية «البروباغندا» كما فعل الأميركيون في العراق، كما تستخدمها الاستبدادية، كما تفعل كوبا منذ نصف قرن. يقول نجار إن هناك عشرات المطبوعات غير الرسمية في كوبا لكنها جميعا ممولة من النظام وتعمل له. وقد ذهبت هافانا إلى أبعد من ذلك، فأنشأت «ويكيبيديا» خاصة بها لكي لا يلجأ الكوبيون إلى «ويكيبيديا» «غوغل» التي يلجأ إليها المستخدمون حول العالم.

في المقابل استغلت مؤسسة صحافية مثل مجموعة روبرت مردوخ الحرية في أسوأ وأردأ أنواع الاستغلال. اقتحمت خصوصيات الناس وتجسست على مشاريعهم وقضت على سمعتهم الاجتماعية. وسخر مردوخ صحفه السياسية لأغراض خاصة وغايات انتقامية رخيصة.

يجول نجار في أحداث العالم العربي الأخيرة وتأثير الإعلام الجديد، باحثا عن ميثاق شرف يحمي شرفاء هذا العالم من اعتداءات الفلتانين وناهشي الكرامات. ويشعر أن الحرية التي تمنحها المدونات لنفسها، سوف تضر باللغة والخطاب معا. لذلك يجب أن تخضع الحداثة دائما للمساءلة والمحاسبة كيما تحافظ على وجهها الأخلاقي والإنساني. لا بد من تحصين الناس في كل مكان من الذي تمارسه «البروباغندا» ومن الطغيان الذي يلجأ إليها في سبيل البقاء والاستبداد والاستعباد.