عندما انتشلوا الرئيس الأميركي (ملط)!

TT

الذين يجترون الماضي، كثيرا ما (صمخوا) آذاننا بأمجاد العرب والمسلمين الماضية، وكيف أنهم هم الذين علموا أوروبا قديما وانتشلوها من ظلام الجهل والخرافات، وكيف أن طلبة العلم كانوا يتقاطرون من مختلف أرجائها على (الأندلس) لينهلوا من حضارتنا - مع أن هذه المقولة (شبه صحيحة مع التحفظ)، خصوصا إذا عرفنا أن المسلمين كانوا مجرد مترجمين للفلسفة اليونانية القديمة، أي أن بضاعتهم ردت إليهم بواسطة المسلمين الذين يحمد لهم ذلك ولا شك، ولكن ماذا بعد؟! لا شيء ألبتة، ألبتة!

وهم، أي العرب والمسلمون، من أول ما خرجوا من الأندلس وهم يتراجعون للخلف بعكس أوروبا التي كانت تتقدم للأمام وما زالت، ومن بعد سقوط (غرناطة)، وهي آخر معاقلهم، من بعد سقوطها بعدة سنوات لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، اكتشفت أوروبا العالم الجديد الذي هو أميركا.

إنني بكلامي هذا لا أهجو عوالم العرب والمسلمين بقدر ما أريد أن أزيل بعضا من الغشاوة التي تستوطن العيون مثلما يستوطنها الرمد ولا أقول العمى.

ودلوني بالله عليكم ما هي المعطيات التي بزينا بها أو تفوقنا بها على الأمم؟! لا أريد أن أسألكم عن المعطيات العلمية، فهذه أبعد عنكم من (حبة الكوع)، والتطرق لها ما هو إلا نوع من العبث أو الكوميديا السوداء، ولكنني فقط أريد أن أسألكم عما هو أبسط من ذلك بكثير.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: هل برع العرب والمسلمون باللعب، أو الأكل، أو الموسيقى، أو حتى المحافظة على البيئة والنظافة؟!

بالنسبة للعب، وحياتنا كلها لعب بدائي، فإنني أحيلكم مسبقا على دورة الألعاب الأولمبية التي سوف تنطلق في لندن بعد ما يقارب أقل من شهرين، وعليكم أن تحصوا عدد (الميداليات) التي سوف نحصل عليها مقارنة بالآخرين، مع أن تراثنا دعانا إلى أن نعلم أبناءنا السباحة والرماية وركوب الخيل - ولكنك أسمعت لو ناديت حيا.

أما الأكل، وما أدراك ما الأكل لأننا شغوفون به إلى درجة التخمة والتبذير أحيانا، فلم نبرع (بأصوله)، وأمامي الآن إحصائية أجرتها المجلة المتخصصة (ريستورانت مغازين) عن أفضل مائة مطعم في أنحاء العالم لم يكن فيها ولا مطعم واحد في ديارنا، ومع أن هذا المثال الذي ضربته يعتبر عند البعض سخيفا، إلا أن له دلالته أيضا.

أما الموسيقى فأتركها على جنب، لأنني لا أريد أن أطربكم في هذا اليوم التعيس.

أما فيما يخص النظافة فيكفي أوروبا فخرا أنها قدمت أعظم اختراع تفتقت به العبقرية البشرية، ألا وهو (الحمّام) الذي لولاه لتكانفتنا الأمراض ولمات من جرائها ثلاثة أرباع سكان المعمورة، والذي لولاه لما توسعت المدن، ونحن الذين كنا نسميه (بيت الخلاء) لأننا كنا نقضي دائما حاجاتنا بالهواء الطلق.

ولكي أخرجكم قليلا من كلامي (الغثيث) هذا، وبمناسبة الحمامات، فيقال: إن رئيسا أميركيا قديما اسمه (ويليام تافت) وكان يزن (160) كيلوغراما، علق ذات مرة في المغطس في البيت الأبيض، فلم يتمكن من الخروج حتى أتى الخدم وكسروا المغطس وانتشلوه (ملط)، وأبدلوه بمغطس واسع، وعند تسليمه، صعد إلى داخله أربعة من العمال وتجردوا من ملابسهم، وأخذوا صورة جماعية تذكارية وهم كذلك (ملط).

ومع تقادم الأعوام ما زالت تلك الصورة تتداول، كنوع من التراث الأميركي المجيد.

[email protected]