الفاتورة الأوروبية!

TT

المشكلة المالية في أوروبا لم تنته بعد، بل إن الثمن الكامل لها لم يتم إدراكه للآن، وكل ما يتم ملاحظته حتى الآن هو التكلفة الاقتصادية لذلك، وذلك بعد أن أصبح الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الرئيس الأوروبي الحادي عشر الذي يفقد منصبه بسبب هذا الأمر، وهو خريف مالي أوروبي عنيف لم تنته رياحه بعد. فمن الواضح أن اليونان لن تكون قادرة على سداد ديونها المهولة على الرغم من الإعانات والتسهيلات الممنوحة لها من ألمانيا وصندوق النقد والبنك المركزي الأوروبي، وقد توجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع وصوتوا لتيار سياسي «جديد» لن يلتزم بخط التقشف الاقتصادي غير الشعبي، وعليه عمليا لن يكون قادرا على الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع المؤسسات المالية العالمية الكبرى بخصوص تطبيق خطة تقشف مالي شديد، وهي مسألة تهدد بقاء اليونان ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي وسوقه المشتركة وعملته الموحدة (اليورو). وها هو الرئيس الأميركي، باراك أوباما، يقذف بتأييده الصريح ولأول مرة لمبدأ زواج المثليين (الشواذ جنسيا) في الولايات المتحدة، وهي مسألة اجتماعية شديدة الحساسية والتعقيد لأنها تقسم المجتمع، وبشدة، بين ممانع للفكرة ومؤيد لها، وبالتالي ستشغل المجتمع بشكل كبير في الشهور القليلة القادمة قبل الانتخابات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وتلهيه قليلا عن الأداء الاقتصادي المتذبذب وغير المستقر للآن، والذي لا يزال متأثرا من حال الركود العالمي.

ها هي الشركات العالمية الكبرى تعلن نتائجها وتخرج بأرقام لا تسر الناظرين ولا تطمئن السامعين؛ قطاع الطيران يعلن عن انتكاسات هائلة في معدلات نموه وهبوط شديد في الإيرادات والأرباح، ويأتي الخبر الصادم بشكل أكبر من جهة أنجح الشركات في هذا القطاع ذي المنافسة المحمومة، وخاصة شركتي الطيران السنغافورية وطيران الإمارات، اللتين كانتا دوما مضرب الأمثال في التنافسية وحسن الإدارة، ولكن ارتفاع أسعار الوقود وانخفاض معدلات السفر بسبب الظروف الاقتصادية الخانقة الناتجة من الأزمة المالية العالمية، كان لهما الأثر السلبي الكبير على الأداء والنتائج، وما يقال عن قطاع الطيران يقال أيضا عن قطاع المقاولات والتطوير والمصارف والتأمين والتجزئة والسياحة والكثير من القطاعات الأخرى المهمة والمؤثرة.

شركات عملاقة ومؤثرة دخلت في غرفة الإنعاش الاقتصادي، شركات مثل: «نوكيا» للاتصالات، و«سوني» للإلكترونيات، و«نيتون» للملبوسات.. وغيرها بطبيعة الحال، كلها أثر الوضع الاقتصادي على أدائها (إضافة إلى عناصر أخرى بطبيعة الحال)، ولكن هذه الشركات التي كانت في يوم من الأيام سيدة قطاعاتها وعملاقة صناعاتها تترنح اليوم وتقترب من الموت السريري البطيء لتكون جزءا من الأرشيف التاريخي للاقتصاد العالمي والشركات كقصص تروى وتاريخ يسترجع.

أوروبا ومشكلاتها تتعاظم ولا تتقلص، والفيروس اليوناني سيصيب الإسبان وبقوة ولن تنجو إيطاليا ولا البرتغال منه، وآيرلندا سينالها من الحظ جانب، وفرنسا هي أيضا ستكون الكعكة الكبيرة التي تأخر وقوع الضرر العظيم عليها، ومن أوروبا تخرج مصارف وشركات عالمية عابرة للقارات، إذا ما تأثر وضعها في بلادها، فمن الطبيعي جدا أن تتأثر في سائر أسواقها الأخرى حول العالم، وهنا يبلغ الضرر الأعظم مداه، فهذه الشركات لها شراكات ووجود في شتى أنحاء العالم، ومصابها المالي سيؤثر على قرارات قدرتها الاستثمارية والتوسعية.

المشكلة المالية في أوروبا على الرغم من كونها مشكلة سياسية واقتصادية محدودة في القارة، فإن الضرر الأكبر مستمر ولم يتم التوصل إلى علاج له حتى الآن مما يعني تفاقم المرض بشكل أكبر، ونتيجة ذلك ستكون حتما تكلفة علاجها أبهظ ثمنا يتحمل سدادها العالم بأجمعه وبطرق مختلفة. ولذلك المرحلة القادمة ستكون مفاجئة وصعبة.

[email protected]