أين النكتة إذن؟

TT

كتب البريطاني بول جونسون في معظم أمور الدنيا. وفتحت الصحافة أمامه قضايا العالم وشؤونه، من حرب السويس، إلى العشاء مع الأميرة ديانا، وصداقة مارغريت ثاتشر، واللقاء مع شارل ديغول. وفي كتابه «سِيَر مختصرة» يروي انطباعاته عن مشاهير هذا العالم، بعكس الزملاء العرب الذين يروون عادة انطباعات مشاهير العالم عنهم، وإذا قابلوا شخصية بارزة نقلوا إلينا ماذا قالوا هم لها، وإذا ترافقوا صدفة أو ترتيبا، مع مسؤول رفيع، أبلغونا بأنه كان يجلس إلى جانبهم. يا للسعادة.. يا لمتعة الفوز!

ويجول بول جونسون في رحلة العمر مع كوكبة من نجوم القرن الماضي لكي يقدم، باختصار يشبه القواميس، انطباعه الشخصي عن هؤلاء وليس ما يعرفه الناس عنهم. وفي بضعة أسطر عن مدى جدية مارغريت ثاتشر ورفضها للنكات وتضييع الوقت، يروي أنه ذهب إلى كوريا الجنوبية محاضرا بدعوة من الثري النافذ سون ميونغ مون. وأقام له مون وعائلته ومساعدوه مأدبة غداء تكريمية: «قال السيد مون إنه لا يحب إطلاقا أن تتولى النساء الحكم. قلت إن المسز ثاتشر أبلت بلاء حسنا في بريطانيا. فقال: أجل، لكن ثمة نقاط ضعف كثيرة فيها. قلت: مثل ماذا؟ قال: إنها تفتقر، مثلا، إلى روح الدعابة. عندها رويت له كيف هزت مجلس الشؤون الاقتصادية المؤلف فقط من الرجال، عندما قالت في عشاء تكريمي لها إن الديك يصيح طوال الوقت، لكن الدجاجة هي التي تبيض»..

«أصغى مون إلى الحكاية في صمت، وكذلك الآخرون. ثم كان المزيد من الصمت. وفجأة، دارت النكتة للسيدة مون التي لم تنبس بكلمة قبل ذلك، فانفجرت في ضحكة عالية تحولت إلى قهقهات، ثم إلى زئير. وشيئا فشيئا بدأ السيد مون يضحك هو أيضا، ولكن في تحفظ. ثم انضم إليه الآخرون، وراح الكل يضحكون، ولكن ليس مثل السيدة مون. وعندما رويت ما حدث للمسز ثاتشر في ما بعد: قالت: آسفة بول، لكني لم أفهم النكتة».

يروي جونسون أنه زار العراق 1951، حيث أسس نوري السعيد مجلس التنمية الذي أخذ يستغل عائدات النفط في مد الطرقات والكهرباء إلى البلدات والقرى، وفي توصيل المياه وإقامة المستشفيات والمدارس وإنشاء المصانع. يعلق على ذلك: «لو استمر ذلك المنحى لكان العراق اليوم إحدى أغنى الدول. لكن عندما عدت إلى بغداد مرة أخرى عام 1957 كانت الأحوال تسوء. وقال لي نوري السعيد إن البريطانيين يريدون منا أن نحكم العراق على النهج الإنجليزي، وهذا سوف يؤدي إلى كارثة! اعتقدت أنه مبالغ في التشاؤم. لكن بعد عام تبين لي أنه كان على حق».