خميس دمشق الأسود: هل هو إنذار أخير!

TT

كان خميس دمشق الأخير دمويا. عشرات القتلى ومئات الجرحى، عشرات السيارات المحطمة والمحروقة منتشرة على مساحة كبيرة من الطريق السريع في قلب دمشق، واجهات بيوت ومحلات قريبة من مركز الانفجار إضافة إلى واجهتي فرعين للمخابرات العسكرية السورية ظهرت منهارة أو مدمرة. كان مشهدا مأساويا بكل معنى الكلمة، كان في أحد وجوهه يلخص خمسة عشر شهرا من مسارات القتل والدمار السوري الذي رسمه الحل الأمني العسكري الذي اختاره النظام مسارا لمعالجة أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، بدل أن يختار حلا ومعالجة سياسية للأزمة كما هو مفترض.

بعيد الانفجار المزدوج، اتهم النظام جماعات إرهابية بارتكاب التفجير المدمر في إشارة لمعارضيه، فيما كانت المعارضة توجه أصابع الاتهام مباشرة للنظام بارتكاب الجريمة.

ورغم أن كل طرف ساق مبرراته لاتهام الآخر، فإن المعارضة، بدت أكثر قدرة على نفي إمكانية قيامها بمثل هذا العمل سياسيا وتقنيا، وشددت على أن المستفيد الرئيس من هكذا عمل هو النظام سواء لسعيه إثبات وجود جماعات إرهابية في البلاد أو من أجل تعميم الخوف في صفوف السوريين أو للاثنين معا.

وبغض النظر عن مرتكب هذا العمل، فإنه ينبغي العمل في كل المستويات المحلية والخارجية على كشف المرتكبين، وتقديمهم للقضاء ليقول بحقهم قراره جراء ما قاموا به من عمل إجرامي، يلحق الأذى بمدنيين عزل وأبرياء، ويساعد في انزلاق سوريا نحو عنف أوسع ستكون له تداعيات إقليمية ودولية أكثر بكثير من المتوقع.

وخطورة حدث الخميس الأسود، لا تعود إلى تفاصيله فقط، فقد شهدت سوريا ما هو أخطر منه في إطار الخطة الأمنية العسكرية في معالجة الأزمة كما حدث في حمص ودرعا وريف إدلب، إنما تعود أيضا إلى ظرفه، إذ جاء الحدث بمحتوياته وتفاصيله في ظرف تواجه خطة أنان انسدادات جدية في تطبيقها ولا سيما بصدد البند الأول الخاص بوقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من الأماكن السكنية ومحيطها، والذي صار بمثابة أحجية يصعب حلها، الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة نهاية لخطة أنان أو مؤشر بهذا الاتجاه على الأقل، ووسط هذا الاعتقاد جاء حدث الخميس بكل محتوياته دافعا نحو احتمالات تفجر عنف أعمى أوسع نطاقا في سوريا.

والصحيح أن التخوفات من انزلاق الوضع السوري في ضوء ما تواجهه خطة أنان من انسدادات في تطبيقها، لها ما يبررها في ظل أمرين اثنين؛ الأمر الأول ما تسوقه السلطات من مبررات تمنع تنفيذ ما يخصها في وقف العنف وسحب الأسلحة نتيجة خرق ما تسميه بالجماعات المسلحة لوقف النار، والأمر الثاني عدم تقدم الموفد الدولي وفريق مراقبيه لتنفيذ بقية بنود الخطة، والبقاء في حالة دوران حول البند الأول، ونسيان أو تجاهل بقية بنود الخطة الأخرى وفيها خمسة بنود منها ثلاثة يمكن تنفيذها دون أي إرباكات وهي المتصلة بإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وحق الوجود الحر للإعلام، إضافة إلى بند السماح بالتظاهر للسوريين والذي يجد رفضا من جانب السلطات السورية.

إن بدء تنفيذ هذه البنود، إذا كانت هناك إرادة سياسية وعملية للتنفيذ من شأنه أن يدخل تعديلا جوهريا في مسار الخطة كلها، لأنه يوفر بيئة إيجابية للخروج من نفق بند وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة، والمضي في حل سياسي يكون بديلا للحل الأمني العسكري للأزمة، مما يجنب البلاد انزلاقات الدخول في حرب داخلية وتداعياتها الإقليمية.

وبالخلاصة، فإن خميس دمشق الأسود بما حمله من تفاصيل، وما يحيط به من ظروف، يمكن اعتباره بمثابة إنذار نهائي، يؤشر إلى الأخطار التي يمكن أن تكون بعده في أخذ سوريا ومحيطها الإقليمي إلى أخطار، لا يمكن العودة منها في مدى منظور، وهذا يعني، أن على المعنيين فعلا بمعالجة الأزمة في المستويات المحلية وخاصة النظام، وفي المستويات الإقليمية والدولية، أن يعملوا بجد وبمسؤولية للخروج من الأزمة، ولعل أقرب الطرق، وأيسرها البدء الفوري بتنفيذ النقاط التالية من خطة أنان، التي وافق عليها الجميع، بدل التوقف عند النقطة الأولى ومشكلاتها سواء كانت هذه المشكلات جدية كما تقول السلطات السورية، أو أنها حسبما يقول الآخرون مجرد ذريعة لتهرب سلطات دمشق من مسؤولياتها وموافقتها غير المشروطة على خطة أنان.