الطبع في «الإخوان» يغلب التطبع!

TT

الآن.. والآن فقط.. استراح «الإخوان» بعد أن أحسوا بأنهم أحرزوا هدفا في مرمى المجلس العسكري وحكومة الدكتور كمال الجنزوري معا..

أما المقصود بـ«الآن» هنا، فهو صباح الخميس الماضي، عندما جرى تعديل في تركيبة الحكومة، خرج فيه وزراء الثقافة، والقوى العاملة، والتعليم العالي، وجاء ثلاثة وزراء جدد في أماكنهم!

وأما لماذا هؤلاء الوزراء الثلاثة تحديدا، فلا أحد يعرف أو يفهم.. إذ لا خروج الذين غادروا مواقعهم سوف ينقص من الحكومة، ولا مجيء الذين تم استوزارهم للمرة الأولى، سوف يضيف إلى الحكومة، وإنما هو تعديل لأجل التعديل، دون أن تكون أصول التعديلات الوزارية من هذا النوع حاضرة في الحسبان، وإذا شئنا الدقة قلنا إنه تعديل من أجل عيون جماعة الإخوان، على وجه التحديد، لا لشيء، إلا لأن أحدا في البلد لم يطالب بتعديل في تشكيلة حكومة الدكتور الجنزوري، اللهم إلا حزب الحرية والعدالة، صاحب الأغلبية النسبية في البرلمان، والذراع السياسية للجماعة، وهو حزب ظل طوال شهرين أو ثلاثة مضت، مصمما، ومُصرا، ومتمسكا، دون سبب مفهوم، بإقالة الحكومة، من غير أن يكون هذا التصميم، أو الإصرار، أو التمسك، مستندا إلى أساس في دستور، أو حتى في قانون!

الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري، في مارس (آذار) قبل الماضي، يضع مهمة أي تعديل في الحكومة، في يد المجلس وحده، ولا أحد غيره، فهو دون أي جهة أخرى، الذي يقيل الحكومة، والذي أيضا يأتي بها.. وإذا جاء من ينازع المجلس العسكري، هذا الاختصاص، كما حدث مرارا من جانب حزب الحرية والعدالة، فهو تعسف واضح من جانبه في التعامل مع مسألة لا تخصه، ولذلك، يبدو تشبث الحزب بإقالة الحكومة، وكأنه نوع من الممارسة السياسية الطفولية، بقصد الإرباك المتعمد للحكومة، ولـ«العسكري»، ثم للبلد إجمالا.. وهذا هو الأخطر.

وإلا.. فإن لنا أن نتصور، كيف يمكن لحكومة بلد في حجم مصر، أن تعمل وأن تؤدي واجبها تجاه مواطنيها، كحكومة مسؤولة، إذا كان رئيسها، وأعضاؤها جميعا، يستيقظون في كل صباح، على مطالبات لا تتوقف، بسحب الثقة من الحكومة، وإقالة أعضائها؟!.. كيف يمكن لهم، طوال شهرين أو أكثر، أن يركزوا فيما يتعين أن يركزوا فيه، إذا كان كل واحد فيهم يشعر بأنه غير مستقر على مقعده، ويشعر كذلك بأن البرلمان الذي من وظائفه الأساسية، مراقبة أداء الحكومة.. أي حكومة.. قد هجر هذه المهمة، وتفرغ لـ«الكيد» للحكومة، وللعسكري، بأسلوب «كيد النسا» الذي يشيع بين السيدات في الحواري والأحياء الشعبية!

كان من الممكن، بل ومن الواجب، أن يضع البرلمان أمام عينيه مهمة مقدسة، هي مراقبة أعمال الحكومة، ومدى اتساق هذه الأعمال مع الأهداف التي من أجلها جاءت الحكومة إلى مقاعدها، وهذه المهمة لو كانت قد تحققت، ولو كان البرلمان قد وضعها أمام عينيه، ولو كان قد مارسها على أصولها، لكان أداء الحكومة بالقطع مختلفا، ولكانت قد التفتت إلى تحسين أدائها فيما يخص الخدمات العامة التي عليها أن تقدمها للناس.. ولكن شيئا من هذا لم يتحقق، وبذلك، فإن المواطن في النهاية، صار هو الضحية بشكل أو بآخر، وأصبحت مصالحه هي الثمن المدفوع، لإنهاء خلاف نشب بين برلمان أطلقنا عليه، عند بدء تشكيله، اسم «برلمان الثورة» وبين الحكومة التي قيل عند تكليفها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إنها حكومة مؤقتة، وإنها سوف تذهب في آخر يونيو (حزيران) المقبل.

تابع المصريون، طوال شهرين أو ثلاثة، حلقات من مسلسل عبثي، في مسيرة من الصراع المستمر، بين البرلمان وبين الحكومة.. آسف.. فالصراع لم يكن بينهما متكافئا، كطرفين، وإنما كان من جانب طرف واحد هو البرلمان.. هذه هي الحقيقة إذا أردنا الدقة في الكلام عما هو قائم، وإذا أردنا الدقة أكثر، فسوف نقول، إن البرلمان لم يكن كله، في صراع مع الحكومة، وإنما حزب الحرية والعدالة وفقط، وبخلافه، فإن سائر القوى السياسية في داخل البرلمان، ومنها حزب النور السلفي على سبيل المثال، كان يرى أن استهلاك وقت نواب البرلمان، في مطاردة الحكومة، دون هدف واضح، ولا فلسفة واضحة، إنما هو تضييع لوقت نواب جاءوا بالانتخاب من المواطنين، إلى مقاعدهم البرلمانية، لييسروا حياة الناخبين، فإذا بهم، أي النواب، يعطلون المصالح التي جاءوا من أجل تيسيرها، وتسهيلها، وإتاحتها لكل مواطن.

والحقيقة، أن هذا كله، كان جائزا، وكان من الممكن أن يكون مقبولا، لو أن «العسكري» أوقف هذا الهزل عند حدوده، وأعلن على الناس، بوضوح، أن الإعلان الدستوري يضع مهمة إقالة الحكومة بأعضائها، أو تعيينها، في يده هو، وأن الإعلان يجب أن يكون موضع احترام من الجميع، باعتباره دستور المرحلة الانتقالية، وأن أي افتئات على نصوص الإعلان ومواده، إنما هو افتئات على مصالح المواطنين أنفسهم، وأن.. وأن.. إلى آخره.

كان للعسكري أن يفعل هذا، ولو أنه فعل، فإنه كان سيجد تعاطفا من غالبية المصريين معه، لأنه، والحال كذلك، يتكلم بالعقل، والمنطق، وبعدهما وقبلهما بالدستور.. ولكنه، للأسف، لم يفعل، وخضع دون سبب واضح، لابتزاز متواصل من جانب حزب الأغلبية النسبية، لا المطلقة، في البرلمان!

قد يكون «العسكري» قد استقر بينه وبين نفسه، على أن هذه ليست المشكلة التي تستحق منه أن يوقف الجماعة ممثلة في حزبها، عند حدودها، وحدوده، وقد يكون قد رأى أن تغيير ثلاثة وزراء في الحكومة لن يقدم، ولن يؤخر، وقد يكون رأى، بينه وبين نفسه، أن عليه أن يمشي وراء الجماعة، وحزبها، حتى باب الدار، كما يقول واحد من الأمثال الشعبية الشهيرة، وقد يكون.. وقد يكون.. ولكن، يبقى المجلس العسكري في المقابل، هو المجلس الحاكم للبلد، وبما أنه حاكم، فهو مسؤول، وبما أنه مسؤول فإن عليه أن يمارس مهام مسؤوليته، وأن يتصدى عند اللزوم، لما ينال من مقتضيات هذه المسؤولية، من جانب أي طرف في البلد.

أراد «الإخوان» تغييرا في الحكومة، من أجل التغيير، وقد حدث تغيير شكلي مضحك، بما يعني أن مصالح المواطنين، الذين هم أساس اللعبة السياسية كلها، لم تكن على رأس الأولويات، ولا حتى في قائمة الأولويات أصلا، ليتبين للمراقب للمشهد في إجماله، أن جماعة الإخوان سوف تدرك، ربما بعد فوات الأوان، أنه يجب أن يكون هناك فرق بين عمل الجماعة المحظورة، تحت الأرض زمان، وبين عملها في النور الآن، وأن خروجها من الحظر، الذي لازمها طويلا، إلى العمل السياسي العلني المباح، لم يغير في فكرها، وإن كان قد غير في شكلها، فهي خرجت إلينا بجسدها، بينما عقلها لا يزال هناك في السراديب المغلقة! جماعة الإخوان لا تزال تعمل بقانونها، لا قانون المجتمع، لأن الطبع فيها لا يزال يغلب التطبع، وتظل حكايتها مع الحكومة خير دليل!