متى سيتعلمون؟

TT

«الأمر يصب في مصلحة حفنة من النقاد هناك». هكذا قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس»، الخميس الماضي، أثناء مؤتمر صحافي عبر الهاتف مع المحللين والصحافيين. وقد ذكر هذا التعليق في معرض الاعتراف بتسجيل مصرفه خسائر تجاوزت ملياري دولار، نتيجة انتهاج استراتيجية تحوط معقدة أدت في النهاية إلى عواقب مريعة. وهو على حق في هذا، فهذه الخسارة الضخمة، التي شملت عقودا لمبادلة العجز الائتماني - وهي المشتقات نفسها التي سبق أن أحدثت أضرارا بالغة أثناء الأزمة المالية - تصب حقا في مصلحة النقاد، بل وكان ينبغي أن يحدث هذا.

فمعظم الوقت طيلة السنوات الثلاث الماضية، وسط حيرة إدارة الرئيس أوباما والكونغرس في كيفية السيطرة على نظام مالي فقد مرساته وأيضا بوصلته الأخلاقية، لم يكن هناك أحد أكثر تعبيرا عن معارضته لفرض مزيد من الضوابط التنظيمية على النظام المصرفي من ديمون، حيث اشتكى الرجل مرارا وتكرارا من رفع متطلبات رأس المال، قائلا: إن بعض الضوابط التنظيمية المقترحة «ضد أميركا». وقد ظل دوما يهاجم بشدة قانون الإصلاح المالي المعروف باسم «دود فرانك»، الذي كان محاولة أخيرة من الكونغرس لمنع حدوث حالات إفلاس على غرار ما تعرض له مصرف «ليمان براذرز».

وفيما يتعلق بالمشتقات، ذهب ديمون إلى أن معظم ما يقترح قانون «دود فرانك» فعله - مثل جعل المشتقات أكثر شفافية، مع حرمان المصارف من القدرة على تداول الأوراق المالية بأموالها الخاصة، بفضل ما يسمي بـ«قاعدة فولكر» - لم يكن ضروريا، إن لم يكن يؤدي مباشرة إلى نتائج عكسية.

وما منح ديمون موقعه كحامل لراية الهجوم ضد قانون «دود فرانك» - في الوقت الذي أحنى فيه مسؤولو المصارف الكبرى الآخرون رؤوسهم - هو أن مصرف «جي بي مورغان» تمكن بدهاء من تجنب المشكلات التي ضربت معظم المؤسسات المالية الكبيرة الأخرى أثناء الأزمة، وكان الفضل الأكبر في ذلك يعود إلى ديمون نفسه.

إلا أن الرجل، بما لديه من كبرياء، لم يكن على استعداد أبدا للاعتراف بأن مجرد نجاحه في تجنب مشكلات الأمس لا يعني أنه سينجح في تجنب مشكلات الغد، أو أن المؤسسات التي يسندها دافع الضرائب في النهاية تتحمل مسؤولية خاصة أمام البلاد بأن تبقى بعيدة عن المتاعب، حتى لو كان هذا يعني تراجع أسعار الأسهم، أو خفض أجور كبار المسؤولين، أو تقليل نسبة المخاطرة. فمنع المصارف من الإضرار بنفسها هو بالضبط ما وضع من أجله قانون «دود فرانك».

وقد وصف ناقد ذكي وابل الانتقادات الذي أغدق على ديمون منذ أن أعلن عن خسائر التداول الكبيرة هذه بأنه «تلذذ بالهجوم على ديمون». من يستطيع أن ينكر أن هناك شيئا ممتعا في رؤية قصاص علني كهذا؟ ولكن هناك أيضا شاهد هام هنا فيما يتعلق بالسياسات المصرفية، وهو أن هذه الخسارة الكبيرة - التي تجدر الإشارة إلى أنها لم تكن نتيجة استغلال صلاحيات في إبرام صفقات دون الحصول على موافقة الإدارة، بل كانت جزءا من استراتيجية حظيت بتأييد مسؤولي المخاطر بالمصرف - تكذب كلام ديمون الإنشائي عن ضرورة عدم فرض ضوابط تنظيمية كما لم يفعل أي شيء آخر.

وكما أوضح مايكل غرينبرغر، أستاذ القانون في «جامعة ميريلاند» - والمسؤول السابق في «هيئة تداول السلع الآجلة» - في رسالة وصلتني على بريدي الإلكتروني في وقت مبكر صباح الجمعة الماضية، فإن هذه الخسارة لم تكن ستقع أبدا على الأرجح لو كانت القواعد المقترحة في قانون «دود فرانك» بخصوص المشتقات قد وضعت موضع التطبيق. ولتوضيح ذلك بالنسبة للمبتدئين، إذا تبين أن عمليات التداول تمت بأموال المصرف الخاصة - ونحن لا نعرف بعد ما إذا كانت كذلك - لكانت قد منعت بموجب «قاعدة فولكر».

ولكن حتى لو لم يكن مصرف «جي بي مورغان» يجري عمليات تداول لحسابه الخاص، فإن قواعد الشفافية التي يفرضها قانون «دود فرانك» كانت ستغير الأسواق و«لم تكن الخسائر ستتراكم في الخفاء»، كما كتب غرينبرغر، حيث إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي كان سيعلم بتلك التداولات، وكان على الأرجح سيجبر مصرف «جي بي مورغان» على الرجوع عنها (ومن أسباب عدم تفعيل هذه القواعد، بعد عامين من اعتماد قانون «دود فرانك»، ذلك التعقيد الذي تتسم به، وكذلك الضغوط العنيفة التي تمارسها المصارف - بقيادة «جي بي مورغان» - من أجل تخفيفها).

وفي هذا المؤتمر الصحافي عبر الهاتف، قال ديمون إن استراتيجية التحوط الكارثية هذه لم تكن مخالفة لـ«قاعدة فولكر»، بل كانت مخالفة لـ«مبدأ ديمون» - وهو يقصد بهذا، في ظني، أنها مثال على نوعية المخاطرة الحمقاء التي يتجنبها مصرف «جي بي مورغان» في المعتاد.

لكن هذا بالضبط هو بيت القصيد، أليس كذلك؟ فحتى في مصرف يتمتع بإدارة جيدة في الظاهر مثل «جي بي مورغان»، فإن الحوافز تظل موجودة للقيام برهانات كبيرة تتسم بالمجازفة وقد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. وقد كان بمقدور مصرف «جي بي مورغان» أن يصمد أمام خسارة تصل إلى ملياري دولار، ولكن ليس بمقدور كل مصرف أن يفعل هذا - ثم من يقول إن أزمة المشتقات القادمة لن تصل إلى 5 أو 10 مليارات دولار؟ لا شك أن جيمي ديمون قائد مصرفي جيد للغاية، لكنه مجرد رجل واحد داخل مؤسسة ضخمة، وليس من الممكن أن يشرف على كل عملية تداول بنفسه. والطريقة الوحيدة لتغيير الحوافز على مستوى القطاع بأكمله - والتحكم بصورة أفضل في عمليات المخاطرة المصرفية - هي عن طريق اتباع مزيج من القواعد الأكثر صرامة والمزيد من الشفافية، وهو بالتحديد ما يهدف إليه قانون «دود فرانك».

وبالطبع، فمن المستبعد أن يغير جيمي ديمون ذلك الرأي في أعقاب هذه الأزمة، ولكن نأمل في أن بقيتنا سوف يفعلون، بما في ذلك الكونغرس والجهات التنظيمية بالذات.

* خدمة «نيويورك تايمز»