النظام المصرفي بلندن في طريقه للتعافي

TT

أثناء كتابة هذا المقال أعيد انتخاب بوريس جونستون عمدة لمدينة لندن لأربع سنوات مقبلة، وهو ما يشكل انتصارا لبيئة الأعمال في المدينة. وفي الوقت ذاته، شهدت بريطانيا أيضا عطلة عامة، فدائما ما تكون عطلة مايو (أيار) يوم الاثنين الأول من الشهر، وأنا أتطلع إلى الحصول على بعض الأيام من الراحة التي يمكنني فيها التفكير في نتائج هذه الأخبار الجيدة وأنه رغم القلق الكبير بشأن منطقة اليورو، فإن النظام المصرفي البريطاني يسير في طريقه إلى التعافي مرة أخرى. وهي أخبار سعيدة للعالم أجمع لا بريطانيا وحدها.

فقد أعاد «رويال بنك أوف أسكوتلاند» 164 مليار جنيه إسترليني من القروض والضمانات الطارئة وحقق أرباحا بلغت 1.18 مليار جنيه إسترليني. هذا الوفاء بالدين الذي قام به البنك هو الشريحة النهائية من الضمانات والقروض الطارئة بقيمة 164 مليار جنيه إسترليني التي تلقاها البنك من وزارة الخزانة، و«بنك إنجلترا» و«الاحتياطي الفيدرالي» عام 2009. وقد حقق البنك أرباح تشغيل بلغت 1.18 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، التي ارتفعت 1.13 مليار قبل عام وهي دليل على تحسن ملحوظ بعد خسائر بلغت 144 مليون جنيه إسترليني في الربع الأخير من عام 2011.

وقد ارتفعت أصول القطاع المصرفي البريطاني بنسبة 3 في المائة في عام 2011 لتصل إلى رقم قياسي وصل إلى 8.119 مليار دولار بحسب تقرير «ذا سيتي يو كي» الذي جاء تحت عنوان «الصناعة المصرفية 2012». وعلى الرغم من تراجع الربحية بنسبة 10 في المائة خلال العام، فإن المصارف في المملكة المتحدة حققت تقدما ملحوظا في تطوير رأس المال والتمويل وحظيت بوضع أفضل من الدول الأوروبية الكبيرة الأخرى بشأن عدد متنوع من التدابير المالية.

وقد خفضت المصارف البريطانية من اعتمادها على أسواق الجملة إلى قروض التمويل، مع تراجع نسبة القروض إلى الودائع بنسبة 4 في المائة في المتوسط عام 2011 إلى 102 في المائة. وقد نمت الودائع بصورة أسرع من القروض منذ عام 2009، لتضيق فجوة التمويل إلى 8 في المائة من الإقراض في 2011، من 24 في المائة في مستهل أزمة الائتمان. وقد خفضت المصارف نسب الفائدة إلى ما يزيد على 20 ضعفا في عام 2011 مما يزيد على 40 ضعفا قبل ثلاث سنوات. بيد أن توافر الائتمان والإقراض لا يزال مقيدا، وهو أمر مشترك مع الدول المتطورة الأخرى.

تعرض النظام المصرفي البريطاني لخسائر مباشرة نتيجة أزمة الديون السيادية في اليونان والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا وآيرلندا بلغت نحو 15 مليار دولار في نهاية الربع الثالث من عام 2011. وقد تعرضت المصارف الإنجليزية لخسائر أكبر في الاستثمارات في القطاع الخاص في هذه الدول بلغت ما يزيد على 190 مليار جنيه إسترليني. بيد أن هذه الخسائر كانت أقل بكثير من نظيراتها في دول أوروبية أخرى، مثل فرنسا وألمانيا اللتين بلغت خسائرهما الكلية 400 مليار، و300 مليار جنيه إسترليني على التوالي، وأكثر من أربعة أمثال الودائع البريطانية المباشرة للديون السيادية الضعيفة.

وتمتلك بريطانيا ثاني أكبر أصول قطاع مصرفي في العالم بعد الولايات المتحدة، وتمتلك المصارف الأجنبية ما نسبته 48 في المائة من الأصول الإجمالية، وهو ما يعد أعلى من غالبية الدول الأخرى. وتعتبر بريطانيا مركزا رائدا في الصناعة المصرفية الدولية، وكانت بريطانيا تمتلك نسبة 18 في المائة من الإقراض المصرفي عبر الحدود في سبتمبر (أيلول) 2011 التي كانت النسبة الأضخم في العالم. وقد شهد عام 2011 وجود 251 بنكا في المملكة المتحدة وهو أكثر من أي مركز مالي آخر في العالم.

وعلى الرغم من أنه لم يتبق سوى أقل من 100 يوم على الألعاب الأوليمبية، فإن لندن تتقارب بشكل أكبر مع بكين في أكثر من مجال. فالتجارة مع الصين يمكن أن تواجه بعض التعقيدات كما تبين لي على مدار سنوات عديدة، بيد أنه الآن هناك فرصة للاستثمار في النمو الصيني عبر أسواق لندن بكل الثقة والأمن اللذين توفرهما لندن.

وقد شهد الأسبوع الماضي تدشين وزير الخزانة مبادرة مدينة لندن لجعل العاصمة البريطانية مركزا لتداول الرينمبي. فما الطريقة الأمثل لنقل الشعلة الأوليمبية أكثر من التعاون بين بريطانيا والصين لتدويل الرينمبي؟ لقد انتعشت لندن نتيجة لشراكاتها المالية مع المراكز المالية الدولية والمنتجات والخدمات العالمية الأفضل على مستوى العالم، ولذا يأتي تعزيز الروابط مع الأسواق الخارجية لتسهيل التجارة والاستثمار جانبا مهما من عمل مدينة لندن.

وسوف يشهد «عام التنين»، الذي يوافق عام أولمبياد لندن أيضا، زيادة في الاستخدام العالمي للعملة الصينية، وسوف يجعل ذلك من لندن أفضل فرصة للأعمال على مدى عقود. على مدار فترة طويلة، كانت الصين جزءا لا يتجزأ من شراكة مدينة لندن الدولية، وستمكن هذه الشراكة بريطانيا من تقديم دعم أفضل لاستخدام دولي متنام للرينمبي، وسيؤدي إلى حصد فوائد لكلا الطرفين على مدار السنوات المقبلة. ويمكن لذلك أيضا أن يكون ذا فائدة كبيرة بالنسبة للمستثمرين في الشرق الأوسط الذين يعرفون لندن جيدا لكنهم قد يكونون أكثر حذرا في التعامل بشكل مباشر مع السوق المالية الناشئة في الصين.

اقترن مدى وعمق الخدمات المالية والمهنية في بريطانيا بأوروبا وحيث يتم التحدث باللغة الإنجليزية، وجعل لندن المرشح الأبرز لتطوير سوق الرنيمبي في الغرب. وتعتبر لندن عاصمة العديد من المؤسسات المملوكة للأجانب متمثلة في صناديق الثروات السيادية ومصارف وشركات تأمين وخدمات مهنية، والتي يلعب الكثير منها دورا فاعلا في سوق هونغ كونغ، ودفع النمو الهائل للسوق في الخارج.

وليس من المستغرب إذن أن تتوحد المؤسسات الدولية في لندن وتعمل مع الحكومة البريطانية كي تطور لندن بوصفها محورا غربيا لأعمال الرينمبي.

وقد شهد مصرف «إتش إس بي سي» طلبا قويا من المستثمرين عندما أصدر أول سند بالرينمبي على الإطلاق يباع خارج الصين الأسبوع الماضي، حيث جمع ملياري رينمبي (200 مليون جنيه إسترليني). ومع اشتراك مستثمرين بضعفي كمية الإصدار، دفع المصرف فائدة بنسبة 3 في المائة على السند أجل ثلاث سنوات. وقد تم شراء أغلب الدين من قبل المستثمرين الأوروبيين.

هذه المعاملة المالية التي أوصى بها حبيب مونتاني، من شركة «كليفورد تشانس» للمحاماة، هي المرة الأولى التي تجمع فيها شركة أموالا بالعملة الصينية خارج الصين أو هونغ كونغ.

وقد أظهرت لندن حرصها على الحصول على شريحة كبيرة من العمل في الوقت الذي تسمح فيه الصين بتدويل عملتها، في سابقة من نوعها، كي تتحول إلى واحدة من العملات الاحتياطية في العالم. وسوف يعزز وضع لندن بوصفها أكبر مركز لتداول الرينمبي خارج الصين مكانة لندن بوصفها أكبر سوق للعملات الأجنبية في العالم، وهو الهدف الذي تسعى إليه بقوة المصارف ووزارة الخزانة البريطانية.

ويقول ديفيد بافيت، رئيس سوق النقد الأجنبي الناشئة في مصرف «إتش إس بي سي»: «السوق بحاجة إلى النضوج، والذي يأتي من بين متطلباته زيادة الطلب وبنية تحتية أفضل في المصارف لتمكين التحوط من الاختلاف بين الرينمبي داخل وخارج بريطانيا».

وأخيرا في الشأن إقليمي، أشارت مجموعة «رويال بنك أوف أسكوتلاندا» إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تحتاج إلى تسديد 60 مليار دولار من الدين من الآن وحتى نهاية العام، فيقول جاكو كيجزار، رئيس قسم أسواق رأس المال المدين للشرق الأوسط وأفريقيا في مصرف «رويال بنك أوف أسكوتلاندا»، في مؤتمر بدبي الأسبوع الماضي: «نحن لا نتوقع أي قضايا لإعادة التمويل، لأن هذه القروض إما أنها تم التعامل معها، أو تمت إعادة هيكلتها أو تم تسديدها».

القروض التي تحتاج إلى تسديدها تتضمن 7 مليارات دولار من شركة الصناعات الأساسية السعودية التي «لا تثير قلق أحد»، و3 مليارات دولار من شركة الاتصال القطرية التي تسيطر عليها الدولة والتي تم تقديمها الأسبوع الماضي. وأثارت أزمة الدين الأوروبية المخاوف بشأن قدرة شركات ومصارف دول مجلس التعاون الخليجي على تمويل الدين هذا العام بناء على توقعات المقرضين الأوروبيين بأن يحد من الإقراض. وقد خفضت بعض المصارف في أوروبا من الإقراض على الرغم من مسارعة المؤسسات المالية الخليجية عملها بشكل كبير وبصورة أكثر قوة مما توقع الجميع. بحسب كيجزار.

ومن ثم، الأمور طوال الوقت تبدو أفضل بينما نمضي في عام 2012، ولنأمل أن يتواصل هذا النهج.

* أستاذ زا بكلية إدارة ال بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس «ألترا كابيتال»