أيام طوب أبو خزامة

TT

للخرافات جمالها وروعتها. منها خرافة طوب أبو خزامة. من الأسباب المهمة لقوة الدولة العثمانية أنها أغرت بالرواتب العالية مهندسي المدافع في أوروبا على ترك بلادهم والمجيء إلى إسطنبول وصنع أقوى المدافع للجيش العثماني، تفوقت على مدافع الأوروبيين والفرس ونشرت الذعر في قلوب كل الأعداء، في وقت ضاهت فيه قنابل المدفعية القنابل الذرية في عصرنا هذا.

كان الفرس قد احتلوا بغداد واستباحوا أهلها السنة، ونبشوا قبر الأمام أبي حنيفة. أرسل السلطان جيشه لتطهيرها منهم. فجاءوا بمدافعهم العتيدة وعلى رأسها هذا المدفع الهائل الذي قارب طوله المترين. سماه العراقيون طوب أبو خزامة. ألقت قنابله الذعر في قلوب الإيرانيين فلاذوا بالفرار من العراق.

شاعت بين أهل بغداد هذه العقيدة بأن هذا الطوب له مكانته الخاصة عند الله تعالى ويستمع رب العالمين لكلامه وطلباته. قالوا إنه عندما نفدت ذخيرته أخذ يلتهم التراب من الأرض ويضرب به الفرس. وحيثما وجدت حفرة في طرقات باب المعظم، وما أكثرها، قالوا هذه حفرة أخذ منها طوب أبو خزامة قنابله. ولربما منعوا البلدية من دفنها وتسويتها. ولهذا تجد الآن شوارع بغداد مليئة بالحفر والمطبات. لا أحد يجرؤ على دفنها، فهي من صنع طوب أبو خزامة.

وعندما رجع الجيش العثماني من بغداد، التمس أهلها الاحتفاظ به للبركة والثواب وحماية بغداد من الفرس. كنت أراه أمام وزارة الدفاع محاطا بسلسلة أنيقة وكانت النسوة يشدون بها خرقا (شرائط من القماش) للدعاء وتلبية مطالبهن؛ العزباء التي تريد زوجا، العاقر التي تريد طفلا، الزوجة التي تريد استعادة زوجها من زوجته الثانية، الزوجة الثانية التي تريد من الطوب أن تموت ضرتها، الأم التي تريد الشفاء لابنها المسلول، وكلها مطالب مشروعة لم يتردد الطوب في تلبيتها كما سمعت.

شيعة بغداد يذهبون للكاظمية ويوسطون الإمام الكاظم، وسنة بغداد يذهبون لطوب أبو خزامة ويكلمونه. وكانت الأم العراقية حالما تلد طفلا تأخذه للطوب وتضع رأسه في فوهته وتهيب بالطوب أن يجعله قويا شجاعا يرهب الأعداء مثله. ولربما نكتشف أن كل هؤلاء الضباط الذين تآمروا وقاموا بانقلابات عسكرية كانوا ممن وضعتهن أمهاتهم في فوهة طوب أبو خزامة. وهذه نقطة أتركها للسادة المؤرخين العرب ليتحققوا من أمرها.

بعد تنور العراقيين وبناء مستشفيات لمعالجة المسلولين، استغنت الحكومة عن خدمات طوب أبو خزامة، فأمر نوري السعيد بإزالته من باب وزارة الدفاع. وكان قرارا طائشا منه لم يستشر فيه الإنجليز. فما إن تم تنفيذ ذلك حتى وقعت بغداد بيد الفرس على نحو ما نرى اليوم.