خطة ملزمة للمحادثات الإيرانية

TT

فلنفرض جدلا أن المؤشرات التي ترد إلينا من البيت الأبيض وطهران يمكن الوثوق بها، وأن إيران جادة حقا في التوصل إلى اتفاق يقضي بالتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة وعدم إنتاج المزيد منه، ما الذي سيحدث؟ هذا الأمر الخاص بـ«الخطوات المقبلة» في المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني مهم، فعلى الأرجح لن يلتزم أي من الطرفين بأول مجموعة من «إجراءات بناء الثقة»، إلا إذا علم جيدا إلى أين تتجه المحادثات. وتعتقد إيران أنها خدعت في الماضي باستشعارها وجود سلام من جهة الغرب لا يفضي إلى شيء، ويساور الولايات المتحدة الشك المقلق نفسه. يحتاج الطرفان إلى قدر أكبر من الوضوح.

وأعد محللون من «معهد كارنيغي للسلام» إطارا ملزما للمحادثات في المستقبل. ومن هؤلاء جورج بيركوفيتش العالم الأميركي البارز المتخصص في شؤون انتشار الأسلحة النووية، وأرييل ليفيت نائب مدير لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية سابقا.

وفي معرض إعداد الخطة، خاض فريق «كارنيغي» نقاشات مع خبراء أميركيين وإيرانيين. الفكرة الرئيسية التي يقوم عليها اقتراح «كارنيغي» هو إقامة «جدار فاصل» بين برنامج إيران النووي المدني الذي ينبغي لها تنفيذه والبرنامج النووي العسكري الذي ينبغي لها عدم تنفيذه. إضافة إلى الفصل بين المسموح وغير المسموح، يقترح محللو «كارنيغي» إجراءات خاصة تتعلق باستخدام تكنولوجيا ذات غرض مزدوج تقترب من الخط الفاصل بين الأمرين. من الأمور التي يمكن أن تدفع الإيرانيين لتقبل هذا الاقتراح هو استناده إلى تعهد من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بأن إيران ليست بصدد تصنيع سلاح نووي. وجاءت أكثر تصريحات خامنئي وضوحا على شاشة تلفزيون الدولة في فبراير (شباط) الماضي حين قال: «لا تسعى إيران إلى امتلاك سلاح نووي لأن الجمهورية الإيرانية ترى امتلاك سلاح نووي من الكبائر من الناحية المنطقية والدينية والنظرية وتعتقد أن انتشار الأسلحة النووية تصرف أخرق لا معنى له ومدمر وخطير». وبعث الرئيس أوباما برسالة إلى خامنئي في مارس (آذار) الماضي مفادها أن فتواه بتحريم السلاح النووي ستكون نقطة انطلاق جيدة للمفاوضات. وحمل رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، الرسالة خلال لقائه مع خامنئي في 29 مارس (آذار). وأكد وكيل وزارة الخارجية الأميركية، ويندي شيرمان، ذلك خلال الجولة الأولى من المفاوضات مع الإيرانيين في إسطنبول في 14 أبريل (نيسان) الماضي.

لذا، كيف يمكن لإيران الإيفاء بهذا التعهد على نحو يبعث الطمأنينة لدى إسرائيل والدول الأخرى التي تخشى من تسلح إيران نوويا؟ يقترح خبراء «كارنيغي» نظاما بألوان إشارة المرور: الأحمر والأصفر والأخضر. ويشير اللون «الأخضر» إلى المفاعلات النووية والمفاعلات البحثية الطبية والمفاعلات التي تستخدم في مجال الأبحاث الأكاديمية والعلمية. ويشير اللون «الأحمر» إلى المنشآت المرتبطة مباشرة بإنتاج سلاح نووي مثل تصميم الرؤوس النووية والحصول على مواد تستخدم في تصنيع وتجربة قنابل نووية.

سيمثل اللون «الأصفر» ذو الاستخدام المزدوج أكثر المشكلات صعوبة، وينبغي بناء الجدار الفاصل بعناية جيدا. بعض مواضع تخصيب اليورانيوم قد يكون مسموحا بها؛ على سبيل المثال عندما تقل نسبة التخصيب عن 5 في المائة، حيث سيقتصر استخدامها في تلك الحالة على الأغراض السلمية. وسيتم حظر استخدام ما يسمى «باعثات نيترون» حيث يمكن استخدامها في بدء انفجار قنبلة باستثناء تلك المصممة للكشف عن حقول النفط التي يمكن أن يسمح بتوريدها إلى إيران. تتطلب أي محاولة جادة للحد من التوترات مع إيران المزيد من الانفتاح والشفافية بشأن الماضي وكذا بشأن الأنشطة الحالية، بحيث يصبح الطرفان على ثقة من عدم خداع الطرف الآخر له وعدم تعرض أمنه للخطر. ويعد هذا جزءا من مقترح «كارنيغي» أيضا.

ويقول بيركوفيتش وليفيت: «لا تخلو هذه المقاربة من التزامات وتنازلات من الطرفين». وستنجح هذه المقاربة من خلال تحديد الأنشطة التي تندرج تحت تصنيع سلاح نووي في سد الثغرة التي توجد في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ويمكن تطبيقها في حالات دول أخرى؛ ليس إيران فحسب».

ما زالت المفاوضات، التي بدأت في إسطنبول الشهر الماضي بين إيران ومجموعة «5+1»، في بداية مرحلة بناء الثقة، التي تهدف إلى كسب الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق شامل مثل ذلك المقترح من قبل خبراء معهد «كارنيغي».

من المرجح أن يشهد الاجتماع المقبل المزمع عقده ببغداد في 23 مايو (أيار) مناقشة خطة لمنع إيران من تخصيب يورانيوم بنسبة تفوق الخمسة في المائة ونقل مخزونها النووي المخصب بنسبة 20 في المائة (الذي يقدر حجمه بما يزيد على 100 كغم) إلى خارج أراضيها مقابل نظائر مشعة طبية وقضبان وقود خاصة بمفاعل بحثي للأغراض السلمية. ويأمل المسؤولون الأميركيون أن يعني هذا وقف الإيرانيين العمل في مفاعل «فوردو» الذي يقع بالقرب من قم والذي يستخدم لتخصيب يورانيوم تفوق نسبة تخصيبه 5 في المائة.

ويعتقد الرئيس أوباما أن هذا الاتفاق المؤقت سيساعد على كسب الوقت اللازم للسير قدما في المفاوضات من خلال تأجيل تصنيع إيران القنبلة النووية. مع ذلك، يجب ترجمة كلمات آية الله علي خامنئي إلى «خط أحمر» واضح يمكن ملاحظته، من أجل التوصل إلى اتفاق دائم.

* خدمة «واشنطن بوست»