العقاد عندما يركب رأسه

TT

رغم إعجابي بالأستاذ عباس محمود العقاد في بعض مواقفه وأفكاره، فإنني أتحفظ وآخذ عليه في طريقة حمله (السلم بالعرض) أحيانا، إن صح التعبير.

العقاد لا شك أنه قمة شامخة، ولعب دورا مهما في تحريك الحياة الثقافية في مصر وفي العالم العربي كله، وأنا أزعم أنني قرأت أكثر مؤلفاته؛ سواء اتفقت معها أو اختلفت، ولكن هذا لا يمنع من مراجعته حتى لو كان ميتا، ولا أظن أن يختلف معي في ذلك الأستاذ أنيس منصور (رحمه الله)، الذي هو من أقرب تلاميذه، وهو الذي كان (حسب قوله) لا تفوت عليه جمعة واحدة من الجمع التي يتقاطر عليها في منزله محبوه ليشربوا القهوة السادة وعصير (الليموناضة)، ويا ليتني كنت واحدا منهم، خصوصا أنني أحب عصير الليمون مع قليل من النعناع، وكثير من (الكرفس).

وقد أورد الأستاذ أنيس فصولا منها في كتابه الأكثر من رائع: (في صالون العقاد كانت لنا أيام).

المهم، أعود لما بدأت به، وأقول: إنه على الرغم من إعجابي بالعقاد، فإنني آخذ عليه (حمل السلم بالعرض)، ولا أدري هل هو بذلك يريد أن يتحدى الآخرين؟! أم أنه يريد أن يلفت النظر، لا أكثر ولا أقل؟! على الرغم من أنه ليس في حاجة لذلك.

عرفنا أن العقاد لم يأخذ في حياته حتى الشهادة الابتدائية فأكبرناه، وعرفنا أنه بزّ جميع المثقفين بحصيلته الثقافية الموسوعية فاحترمناه، ولكن أن تصل به الغطرسة إلى درجة أن من أرادوا أن يكرموه ويمنحوه (معنويا) درجة الدكتوراه الشرفية، أن رفض ذلك قائلا تهكما بما معناه: من هم الجهال الذين سوف يمنحونني ذلك؟!

ويا ليت العقاد اكتفى بذلك، وهو (العبقري) فعلا، ولكنه زاد عن حده، أو بمعنى مثلما يقول العوام: (زودها حبتين). ذلك عندما تصدى (عباطه) لأمير الشعراء (شوقي)، وأخذ يستهجن شعره، وهو الشاعر الذي لا أعتقد أن هناك شاعرا وصل إلى مرتبته منذ أن انتهى العصر العباسي، إلى بدايات القرن العشرين.

وعلى الرغم من أن العقاد إبان تزعمه لمجموعة (أبوللو) أصدر عدّة دواوين، فإنه من النادر أن يحفظ له أحد بيت شعر واحدا، وكان من المفترض أن يعطي الخباز خبزه، على الرغم من أن المثل الذي أوردته ليس في مكانه الصحيح، فالشعر ليس خبزا ولكن الشعر حياة تنبض بالأحاسيس التي تجرف أو تجترح المشاعر وتلهبها ولا تبقي حجرا على حجر.

ولكي أدلل لكم على برودة شعر العقاد التي أراد أن يتحدى بها (شوقي)، إليكم هذه الأبيات الهزيلة التي لا أدري من أي قطب شمالي أو جنوبي أتى بها:

اذكرا رأسي إذا رأسي علا

شامخا مستحككا في السحب

أنا أستقي كلامي م السما

فهو وحي في هميس عجب

وأنا التجديد كان صنعتي

من زمان في لغات العرب

فأقيموا لي تماثيل المنى

في ميادين الجلال الرحب

فرد عليه الكاتب الساخر (المازني) وهو - على فكرة - من أخلص أصدقائه:

معدة الدهر ابلعي كل فتى

ليس مثلي ذا لسان ذرب

مضغت أضراس عقلي كلما

كان من معنى جليل الأرب

أنت يا عقاد لا تشبهني

في حديثي يا أخينا والنبي

[email protected]