نعم.. المناظرة ناجحة

TT

المناظرة الرئاسية التلفزيونية التي جرت في مصر حدث يبنى عليه..

ليس في هذا القول تسرع أو استسهال، فمن الضروري الاعتراف بأن المناظرة التلفزيونية بين المرشحين إلى الرئاسة، الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، والإسلامي عبد المنعم أبو الفتوح، شكلت فارقة مهمة في المسار المتعثر نحو الديمقراطية في مصر؛ ففي حياتنا السياسية والعامة ليس شأنا مألوفا أن يتمكن المصريون والعرب من التعرف على عالم جديد، وهو التبارز في تبادل التصريحات والمواقف اللاذعة، ومحاولة إقناع الرأي العام، والتفوق بالحجة أمام الملايين من المشاهدين لإقناعهم والحصول على أصواتهم مباشرة على الهواء.

لم يعد ممكنا الاسترخاء والاستخفاف بما يقال أو بما لا يقال بذريعة أن لا رأي عاما يرى ويحاسب.

نعم. تمكنت المناظرة من جذب اهتمام غير مسبوق من الرأي العام العربي، وليس المصري فقط، والتفاعل معها كان حاميا منذ بدايتها، وحتى ما بعد الساعات الطويلة التي استغرقتها.

والإشادة هنا بالمناظرة ليست من باب إغفال العثرات والشوائب، فكل الانتقادات التي كيلت لها محقة. فهي (أي المناظرة) حصرت بموسى وأبو الفتوح دون المرشحين الباقين ولو بحجة أنهما الأكثر تقدما في الاستطلاعات. والشاشات التي استضافت الحدث الإعلامي هي شاشات خاصة وليس إعلاما عاما، يمول من دافعي الضرائب كما يجري عادة، وهي لم تستتبع باستطلاعات رأي لمعرفة كيف أثر أداء المرشحين على خيارات الناخبين فضلا عن إغفال الكثير من الأرقام والحقائق في النقاش..

كل ما سبق من انتقادات محق بل ربما أكثر..

لكن، يكفي لمس الأثر البالغ لهذه المناظرة في تعليقات المغردين على «تويتر»، أو عبر «فيس بوك»، أو عبر الكثير من المقالات والنقاشات لإدراك كم شكّل أداء موسى وأبو الفتوح مادة مهمة لقياس الرأي العام ومدى تأثره بأداء وأفكار المرشحين، والأهم مدى تعطشه لتذوق طعم هذه الديمقراطية التي دفع ويدفع المصريون أثمانا غالية في سبيلها.

كتب السياسي المصري المعروف أيمن نور مقالا بعد المناظرة ذكّر فيه بترشحه للرئاسة عام 2005، وطلبه إجراء مناظرة مع الرئيس السابق حسني مبارك، هو ما قاده إلى السجن، مستعيدا كيف أن أحد سجانيه خاطبه قائلا: «ده أقل رد على إهانتك للرئيس وطلبك مناظرته».

إذا ما كان طرحه قد يودي إلى السجن قبل سنوات قليلة، فقد بات أمرا واقعا اليوم، وجزءا من آليات العمل السياسي والإعلامي. لكن هناك دائما من يحاول الاستثمار في الدماء النازفة وفي العثرات اليومية في سوريا ومصر وغير مكان، ليوجه سهام إدانة للثورات العربية ويحاول إقناعنا بأن تونس بن علي ومصر مبارك ويمن صالح وليبيا القذافي كانت أفضل حالا مما هي عليه هذه الدول اليوم، وأن كل ما يجري في تلك الدول ليس سوى مقدمات لانهيارات وخيبات كبرى.

أمام المصريين ومجتمعات الثورات العربية تحديات ومهام، لكن حدثا من نوع مناظرة المرشحين هو استلهام ديمقراطي، لا شك في ذلك..

diana@ asharqalawsat.com