نظرية «التأجيل المستدام»!

TT

سألت زميلي الإعلامي باهتمام: هل قرأت موضوع غلاف العدد الأخير من مجلة «نيوزويك» الأميركية؟

سألني بدوره: هل هناك أي موضوع خاص بالشرق الأوسط أو العرب؟

قلت: لا، ولكن هناك موضوع عن التغييرات البيئية التي تحدث في الطبيعة، ومنها أن المحيطات سوف تتعرض للجفاف بعد 40 عاما!

صرخ صاحبي ضاحكا: 40 عاما يا عمي؟

واحنا ما لنا؟ هوه فيه حد ضامن عمره؟!

بالطبع لم يفكر زميلي في أولاده الأربعة الذين - بإذن الله - يعطيهم الله الصحة وسيعاصرون هذه الأزمة البيئية.

هذه القصة تعكس رؤيتنا للحاضر والمستقبل.

نحن لا يعنينا مستقبل مخزون الطاقة أو المياه في المستقبل. ولا نتوقف أمام آثار التغير المناخي بعد عشر سنوات، ولا الاحتياطي النقدي عام 2030، ولا التخطيط لاستثمارات الأجيال المقبلة، ولا مشاكل التصحر، ولا آثار تجريف الأراضي، أو الحرص على إعادة رسم الخريطة الإدارية لبلادنا لتواكب النمو السكاني والعمراني بعد نصف قرن!

منطقنا في هذا كله هو ذات منطق الزميل الإعلامي الذي ينظر إلى أن القلق على أي ظاهرة قد تستفحل بعد 40 عاما هو درب من دروب الجنون والقلق غير المبرر!

«فلنترك هذه المشاكل إلى الأجيال المقبلة»!

هذا المنطق المخيف هو الذي اتبعه من سبقنا فأصبحنا نواجه شظايا انفجارات في البنية التحتية، وسوء التخطيط العمراني، وأزمات ندرة في المياه والطاقة والمحاصيل الاستراتيجية.

المشروع الصهيوني بدئ التخطيط له منذ عهد نابليون بونابرت، وحلم النهضة في الصين مدته نصف قرن فات، منهم 20 عاما حتى الآن، وتخطيط إسرائيل لابتلاع القدس سكانيا مخطط له منذ عام 1970 وما زال باقيا عليه 25 عاما. مدرسة التفكير العربي محدودة، ومدرسة التخطيط العربي قصيرة النفس، محدودة المدى الزمني.

أحيانا يتصرف بعضنا في قضايا مصيرية بمنطق التخلص السريع من الأزمة بتأجيلها وشراء الوقت بضعة أشهر أو عدة سنوات حتى يتم تصديرها إلى غيرنا وليكن ما يكون، المهم أن لا نزعج أنفسنا بإشكاليات المواجهة والتصدي والتخطيط للحلول العملية المؤثرة مهما كانت التكاليف.

إن منطق فلسفة «التأجيل المستدام» لكل القضايا المستعصية هي كارثة بكل المقاييس سوف يدفع ثمنها غالبا أولادنا وأحفادنا، وأخشى أن يستمر التأجيل حتى أحفاد الأحفاد!

تكلفة المواجهة اليوم بالتأكيد أقل مليون مرة من التأجيل المستدام!