والله ولي الـ«توفيق»!

TT

الناس بطبعهم يتعطشون ويبحثون دوما عن قصص النجاح والأمثلة الفعالة المتألقة، فهي مصدر للإلهام ومبعث للأمل على أقل تقدير، ومن السهل دوما انتقاد الأداء الإداري في الجهات الحكومية ومساواة كل العاملين فيها، فهذا دوما ما يكون القول المريح والسريع لتفسير كل تقصير في الأداء.

وفي السعودية يتحدث الناس هذه الأيام بإعجاب شديد وغبطة وفخر عن وزير التجارة والصناعة توفيق الربيعة. رجل جاء إلى منصب مهم وملفات معقدة تهم قطاع الأعمال والعامة، وبحماس الشباب الذين ينتمي إليهم، وبلغة العقلاء وبتواضع العالمين بالأمور أدار ملفات وزارته، وفي فترة وجيزة تمكن من تحقيق بعض المكاسب المعنوية واللافتة في آن واحد.

يتحدث الناس عنه بإعجاب.. عن دوامه بالوزارة منذ السادسة والنصف صباحا، واستقباله للمراجعين في ساعة مبكرة، وعمله بأسلوب «غير نمطي» لم يتعود عليه مدمنو نهج الخدمة المدنية.. مستمع لبق جدا، ومنصت دقيق، لكنه متابع للتفاصيل، ولا يعد بما لا يمكن تنفيذه، لكن ذلك حتى لا يتحول وصف الرجل إلى ما يشبه «الأسطورة»، فهو يدرك جيدا حجم التحديات لوزارته، وأنها لا بد أن تكون عنصرا داعما لقطاع الأعمال بالتيسير وإزالة العقبات وإيجاد المناخ الصحي الذي يمنع الاحتكار والاستغلال والتلاعب بالأسعار على حساب المستهلك، وهي منطقة حساسة جدا تقع بين مفهوم الاقتصاد المفتوح الحر والتدخل من قبل الدولة، لكنه الدور التشريعي الرقابي الذي من المفترض أن يكون.

وبالتالي يسعى الرجل اليوم لإعادة هيكلة وهندسة وزارته مراعاة لظروف المناخ الاقتصادي للبلاد وللمنطقة والعالم، فكما تغير في يوم من الأيام دور وزارة البريد والبرق والهاتف لتصبح وزارة معنية بكل مجالات الاتصالات والتقنية، كذلك يتغير دور وزارة التجارة والصناعة ليكون مفهومها أشمل وأوسع ليتضمن الأعمال والخدمات بشتى مجالاتها وحدودها.

على الرغم من كون الوزير الربيعة قد جاء من خلفية «صناعية»، وأبلى فيها بلاء حسنا جدا، ونال استحسان الكثيرين، فإن اهتمامه بالتجارة وشؤونها لم يتم إغفاله، ودخل في مواجهات سريعة وحاسمة في أكثر من مسألة، وهو يدرك أن تحدياته كبيرة في تطوير الأداء التنظيمي للشركات وتحسين حوكمتها وتطوير الأنظمة والشروط، مع عدم التضحية بالمحاسبة والمساءلة، ويدرك أن هيكل الوزارة بحاجة للتطوير النوعي والكمي ليساعد الجهاز على تحقيق ما هو مطلوب منه، لكن الشيء اللافت هو «الروح» التي بثت في جهاز الوزارة بسبب أداء الوزير في فترة وجيزة، وهو يذكر بنماذج أخرى، جديرة بالإشارة لها والإشادة بها، هي أيضا تبلي بلاء جيدا في الفترة نفسها، مثل المهندس عادل فقيه وزير العمل، وهي وزارة «استراتيجية» تتعامل مع (بعبع) البطالة، وهي مسألة مهمة وحيوية لا تقل خطورة عن ملفات حساسة أخرى، وقد قام بإطلاق برامج توعوية وتواصلية، وأصدر أنظمة أحدثت نقلة نوعية في مفهوم توطين الوظائف وجعلت الكل شريكا في النجاح أو الفشل.

وكذلك الأمر بالنسبة لجبارة الصريصري، الذي حرك ملفات مهمة في قطاع حيوي يمس الكثيرين، فخرجت مشاريع السكك الحديدية التي طال انتظارها والنقل الداخلي في العاصمة السعودية، التي من المفترض أن تلحقها سائر المدن بعد ذلك، وهو بهذا يواصل نهج وزراء ناجحين في وزارته التي كانت تسمى سابقا وزارة المواصلات، وشهدت تألق ناس فيها مثل محمد عمر توفيق وحسين المنصوري وناصر السلوم.

وهناك أيضا محافظ مؤسسة النقد فهد المبارك، الذي أعاد الهيبة والوقار والجدارة والمصداقية لهذا الكيان المهم والحساس، وقام بتحسين التعامل مع القطاعات المعنية به بتصريحات متوازنة، والإقلال من الظهور غير المحسوب، وترجم ذلك كله براحة وجدارة اكتسبها الرجل انعكست على آراء الناس والخبراء المعنيين في تعاملهم مع مؤسسة النقد، وهو يعمل بجد على إصلاح قطاعات مهترئة مثل التأمين وتطوير القطاع المصرفي وتحسين مناخ العمل.

توفيق الربيعة هو اليوم حديث الناس عن إمكانية تطوير الأداء الوزاري بنجاح وتحسين مناخ العمل وإعادة الثقة بكوادر وطنية مخلصة تعمل بجد وبنظرة جادة للأمور تخلو من المجاملات، وهي مسألة تعيد الأمل في الكوادر الإدارية، وبالتالي تؤكد أنه متى تم منح الفرص بموضوعية وبجدارة للأشخاص الأكفاء من دون محسوبية ولا واسطة، ودُعموا بمناخ لا تتم محاربتهم فيه، وتم تمكينهم من عناصر ووسائل النجاح، فسيكون الإنجاز حليفهم، وسيكون انعكاس ذلك كبيرا على الساحة الأكبر، وتكون دائرة الاستفادة منه عظيمة.

توفيق الربيعة رجل طموح ومخلص وأمين، تجرد من «الأنا»، ولا أود أن أسرد الكثير من القصص التي أعلمها شخصيا عن الرجل حتى لا أبدو وكأنني أتحدث عن عمر بن عبد العزيز، لكني لا أقول إلا «من تواضع لله رفعه»، فلا يعيب الرجل أن يصب القهوة بنفسه لضيفه الأكبر سنا، أو أن يجول في الأقسام في وزارته بنفسه، أو أن يراجع الموضوع شخصيا، وغيرها من النماذج التي كانت يوما تعتبر بديهيات وتحولت إلى مفاجأة سارة لمن عرفوا توفيق الربيعة اليوم. هو قصة نجاح تعيد الأمل نتمنى له التوفيق والعون من الله.

[email protected]