مالكية الإنتربول وهاشمية أردوغان!

TT

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي غاضب منزعج وناقم بعض الشيء. فهو يصر على وجود مخطط داخلي - خارجي يحاول أن يقطع الطريق على استمراره في ترؤس الحكومة وإدارة اللعبة السياسية في البلاد. المالكي يريد البقاء لحقبة جديدة في السلطة، لكن حسابات ومعادلات البعض كما يتصور تتمسك بحرمانه من هذه الفرصة. لذلك هو يحاول الرد من خلال شبكة تحالفات محلية وإقليمية ودولية.. خطوات أقلقت الكثير من القيادات العراقية والدول المجاورة.

آخر حملة نفذها رئيس الوزراء العراقي كانت ضد أبرز خصومه السياسيين طارق الهاشمي، غير عابئ بموقع ومكانة الأخير ودور من يمثلهم في بناء العراق الجديد.

ما إن وصلت إليه تقارير أمنية واستخباراتية تتحدث عن تورط الهاشمي وأقرب أعوانه في الضلوع بتخطيط وتنفيذ عمليات تفجير واغتيالات في البلاد، حتى سارع لدعم طلب اعتقاله وتقديمه للمحاكمة. وأمام تصلب الهاشمي في رفض هذا القرار الذي وصفه بالسياسي بغطاء قضائي ولجوئه إلى أربيل والدوحة والرياض وإسطنبول طلبا للدعم وتوسيع رقعة المناصرين، هرع المالكي للالتفاف عليه بخطوة جديدة، هي طلب مساندة منظمة الإنتربول الدولي من خلال تعميم يساعد في تحديد مكان وجوده وتوقيفه وتسليمه إلى السلطات العراقية، وكأنه لا يعرف أن تركيا هي التي فتحت الأبواب أمام الهاشمي على وسعها وكعادتها دائما كما فعلت مع بقية القيادات العراقية منذ عقود طويلة.

المالكي الذي قرر إضرام النار في جسور التواصل مع الهاشمي من خلال تحويله إلى شخص مطلوب للعدالة وبغطاء دولي ورموز «العاجل جدا» التي لا تترك فرصة للمماطلة أو التطويل، يعرف تماما أنه يغامر بتأجيج جبهة مشتعلة أساسا مع حكومة أردوغان من خلال محاولة تركها في وضع حرج أمام المجتمع الدولي.

أنقرة تقدم مبدأ التزاماتها الأخلاقية التي تمنعها من التخلي عن رجل مريض يعالج في ضيافتها، لكنها تصر أيضا على وجود تدابير وإجراءات قانونية لا بد من اتخاذها ومطالبة بغداد بها.

فهي لا تريد أن تكون وسط ورطة لا مع أنصار الهاشمي والمحسوب عليهم، ولا مع المجتمع الغربي في حال تعرض الهاشمي لمحاكمة غير عادلة، فهو في نظر الأتراك نائب رئيس دولة وسيعامل بهذه الطريقة ولن يتم تسليمه بمثل هذه السهولة لمحكمة جزاء عراقية تحيله إلى حبل المشنقة وتترك أنقرة في مأزق قانوني وسياسي كبير.

حقيقة أخرى، هي أن تركيا لن تتخلى عن الهاشمي بمثل هذه السهولة. فالعلاقة بين أردوغان والهاشمي أبعد من أن تكون علاقة قاطرة بمقطورة كما يتصور البعض. هي علاقة المبدأ والخيار الاستراتيجي الذي لا يمكن تعريضه للخطر أمام مسائل من هذا النوع. التزامات تركيا حيال الكثيرين تمنعها من الإخلال بلعبة التوازنات التي رفعت شعارها في السنوات الأخيرة.. التصدي لحملات الاستقطاب والتكتل المذهبي والعرقي في المنطقة وتعهداتها التي تندرج في هذا الإطار.

بعض المقربين إلى المالكي يلوح بورقة مليارات الدولارات من التبادل التجاري في العلاقات التركية - العراقية، مستبعدا أن تفرط أنقرة بكل هذه المبالغ لصالح دعم الهاشمي، لكن داود أوغلو لم يتأخر في الرد بأن المشكلة ليست بين أنقرة وبغداد بل بين العراقيين أنفسهم، وأن الهاشمي في ضيافة تركيا وبإمكانه البقاء قدر ما يريد. أقرب أعوان أردوغان يتساءلون: أين كان الإنتربول عندما طالبت تركيا بغداد بتسليمها العشرات من المتهمين المحسوبين على حزب العمال الكردستاني، والتي لم تتبرع بالإجابة حتى عن الرسائل التركية؟!

أنقرة قلقة وحذرة، فهناك، كما يبدو لها، مصالح مشتركة، وفي هذه المسألة تحديدا، بين بغداد وطهران وواشنطن، لا تعرف ما إذا كانت ستتحول إلى مشروع اصطفاف عراقي - إيراني - أميركي يشمل قيادات وأنظمة ومنظمات محلية وإقليمية كانت حتى الأمس القريب سببا للصراع والتوتر الدائم بين الدولتين، لكنها اليوم تتحول إلى مركز التقاء وتعاون لا بد منه لقطع الطريق على أي قراءة إقليمية مغايرة.

أنقرة تردد أنها لن تضع نفسها فوق القانون الدولي وقرارات منظمة الإنتربول الدولية وأحكام القضاء العراقي، لكنها تصر على أن تأخذ حكومة المالكي بما تقوله حول التحفظات والإجراءات والمحاذير التي تقلقها وتدفعها للتردد والحذر في التعامل مع أي طلب عراقي حتى ولو كان بغطاء دولي لمنظمة تتهم من قبل البعض بازدواجية المواقف والمعايير. فحديث نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي حول أن الاتهامات ضده مفبركة، وأن القضية سياسية وخارج نطاق مسؤولية منظمة الشرطة الجنائية الدولية، وأن كل ما يريده هو محاكمة عادلة تمنحه كمتهم الحق في نقل الدعوى إلى المكان الذي يتيحه القانون، وأن الكثير من العراقيين ما زالوا يرون فيه دستوريا نائب رئيس الجمهورية العراقية.. أمور تتعامل أنقرة بجدية كاملة معها ولها علاقة بتلاشي فرص التوصل إلى حل للأزمة السياسية الداخلية في العراق بغطاء ومذكرة توقيف من الإنتربول الدولي، وأن تداعيات هذه الأزمة ستكون كبيرة على دول الجوار العراقي إذا لم يتم التحرك لتداركها من خلال لقاء موسع وعلى أعلى المستويات بين دول الجوار العراقي؛ التكتل الذي بذل المالكي كل ما بوسعه لإفشاله إرضاء لقوى تضاربت مصالحها لسنوات، لكنه يريد مصالحتها وجمعها اليوم لتوفر له فرصة الاحتفاظ بمقعده الحكومي.