باكستان تدمر فرصتها في الحصول على الأمن

TT

بينما تبدأ أميركا في سحب قواتها من أفغانستان، بدأت تلوح في الأفق إحدى عواقب هذا الانسحاب، والتي من المرجح أن يكون لها تأثير دائم، ألا وهي خسارة باكستان لأفضل فرصة في تاريخها للسيطرة السياسية على كامل أراضيها، بما في ذلك المناطق القبلية المتورطة في الحرب على طول الحدود مع أفغانستان.

أهدرت باكستان فرصة وجود جيش جرار تقوده الولايات المتحدة على الجانب الآخر من الحدود في أفغانستان. فبدلا من العمل مع أميركا على جلب الاستقرار لهذه المنطقة التي تعد ملاذا للخارجين عن القانون وزعماء الميليشيات والإرهابيين، قرر الباكستانيون اللعب مع هذه الجماعات الخارجة عن القانون، وهو ما سيترتب عليه جعل باكستان وجيرانها أقل أمنا، ربما لعقود طويلة. والخطأ الكارثي الذي ارتكبته باكستان يتمثل في قرار جيشها بعدم التدخل لتهدئة التوترات العرقية التي تحتدم في هذه المنطقة، بدلا من محاولة اجتذاب هذه المناطق الحدودية إلى الدولة التي تمكنت أخيرا - ولأول مرة منذ حصولها على الاستقلال في عام 1947 - من أن تصبح دولة متكاملة وموحدة. وكان هذا بمثابة انتصار للسياسات قصيرة المدى على السياسيات طويلة المدى، وانتصارا للتفكير التآمري على الاستراتيجية.

قامت أميركا بارتكاب الكثير من الأخطاء في أفغانستان، والتي ستكون لها بعض العواقب بالطبع، لكن مشاكل الولايات المتحدة تعد هينة مقارنة بمشاكل باكستان، والتي لا تتمتع بالأمن كدولة حتى بعد استقلالها بنحو 65 عاما. ومثل كل الأخطاء الخطيرة التي يقترفها الناس أثناء حياتهم، يعد هذا الأسلوب أحد الأخطاء الخطيرة التي اقترفها القادة العسكريون الباكستانيون وهم في كامل وعيهم.

ستقوم مجموعة الثماني وحلف شمال الأطلنطي (الناتو) بعقد مؤتمرات قمة في الأيام القادمة لإعلان استراتيجية الانسحاب من أفغانستان. ولحسن الحظ، يخطط الرئيس أوباما لانسحاب تدريجي، حيث سيبقى 20.000 جندي أميركي على الأقل في أفغانستان حتى عام 2024، إذا لزم الأمر، لتدريب الجيش الأفغاني ومطاردة تنظيم القاعدة وحماية الأفغان من خطر الانزلاق إلى حرب أهلية.

وعلى الرغم من ذلك، ما الذي يستطيع القادة الغربيون قوله عندما يتعلق الأمر بباكستان؟ لقد قام الباكستانيون بنسف كل الجهود التي بذلت في الماضي. فعن طريق الدخول في لعبة التحوط هذه، أضاع الباكستانيون لحظة من غير المرجح أن تعود ثانية، عندما كان هناك جيش غربي جرار يتكون من أكثر من 100.000 جندي على استعداد لمساعدتهم. وبدلا من ذلك، استغلت إسلام آباد حتمية رحيل القوات الأميركية، في نهاية المطاف، كذريعة لعمل منطقة عازلة، كان يسكنها خليط من القتلة الذين ينتمون إلى تنظيم القاعدة أو شبكة حقاني أو زعماء الميليشيات البشتون.

بالفعل كان من الصعب إخضاع هذه الأراضي الوعرة التي يسكنها المتمردون، والتي تعرف بالمناطق القبلية الخاضعة لإدارة الحكومة الاتحادية، للقانون الباكستاني. لدي رف مليء بالكتب التي تصف كيف استعصت عملية التهدئة على الاستعمار البريطاني في الهند، وكيف جرى تسليم هذه المنطقة بحرص شديد إلى الحكومة الجديدة في باكستان وكأنها حقيبة مليئة بالثعابين. بالفعل كان هذا الأمر صعبا، لكنه لم يكن مستحيلا، خصوصا عندما تكون لديك وسائل اتصال ومواصلات حديثة، فضلا عن الجيش الأقوى في العالم على استعداد للمساعدة.

الشيء الذي توضحه قراءة هذه الكتب القديمة هي المدة الطويلة التي استمرت فيها هذه المشكلة، حيث يتضمن تقرير بريطاني يعود إلى عام 1901 - والذي يحمل اسم «تقرير حول وزيرستان وقبائلها» - أسماء القبائل والعشائر والعشائر الصغيرة التي كان البريطانيون يقدمون لها الرشاوى منذ أكثر من قرن من الزمان عن طريق عملائهم السياسيين، بدلا من خطر الدخول في حرب مع هؤلاء المحاربين الأقوياء. وبعد الحروب الكارثية التي خاضتها بريطانيا في أفغانستان، قرر البريطانيون أن الرشاوى لها تأثير أكبر بكثير من الحروب، وهو الأمر الذي ظل الباكستانيون يرددونه منذ ذلك الحين، على حساب انعدام الأمن الدائم.

إن رؤية المناطق القبلية على أنها مملكة محاربة لا يمكن اختراقها من قبل الغرباء هي فكرة لها نغمة «شرقية» رومانسية، لكنني أدركت خطأ هذه الفكرة في عام 2009 عندما التقيت بمجموعة من شباب القادة القبليين الذين تجمعوا في إسلام آباد لإخبار ريتشارد هولبروك، المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان، أن المنطقة بحاجة إلى التنمية الاقتصادية والحكم الرشيد والقليل من حماقة الحكومة المركزية. وفي خطوة تجسد كل الأخطاء التي تميز النهج الباكستاني، قامت أجهزة الاستخبارات الباكستانية باعتراض هؤلاء الشباب الشجعان في طريق عودتهم لسؤالهم عن السبب الذي دفعهم إلى التجرؤ بالحديث مع هذا الشخص الأجنبي.

بالتأكيد كانت أكثر الخطوات التي اتخذها الباكستانيون حماقة التوصل إلى تسوية مع شبكة حقاني الإرهابية، التي تعمل من خلال قاعدتها الموجودة في ميرانشاه، عاصمة ولاية وزيرستان الشمالية، التي تقع على بعد مئات الأمتار من إحدى الثكنات العسكرية الباكستانية. كان هذا الأمر أشبه باللعب مع ثعبان الكوبرا، وهو الأمر الذي تخيله الباكستانيون على ما يبدو جزءا رئيسيا من السياسة الواقعية الإقليمية. ولكن ينبغي علينا قتل الكوبرا، ولو كانت الاستخبارات الباكستانية على مستوى هذه المهمة لكانت استعانت ببعض الحلفاء الأقوياء لقتل الكوبرا.

أضاع الباكستانيون فرصة ظلت سانحة طيلة العقد الماضي لبناء وتأمين بلدهم، وهي الفرصة التي لن تعود بهذا الشكل مرة أخرى. تعد هذه المشكلة صغيرة بالنسبة لأميركا وحلفائها، لكنها تعد مشكلة خطيرة لباكستان. إنه بالفعل أمر مؤسف أن ترى أمة رائعة تضيع تماما مثل هذه اللحظة الفارقة.

* خدمة «واشنطن بوست»