مع التعجيل لا التأجيل

TT

أصيب جزء كبير من الرأي العام في دول الخليج بشيء من الإحباط عندما انتهى اجتماع القمة الخليجية التشاوري الأسبوع الماضي في الرياض بعدم الحديث الإيجابي في الخطوات الوحدوية التي كان ينتظر الإعلان عنها حتى ولو بإشارة مطمئنة لتحديد سقف زمني لاتخاذها، وقد زاد ذلك التشاؤم بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، حيث أفصح عن إرجاء الفكرة لمزيد من «دراسة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل»! شخصيا، شعرت بأن هناك في ثنايا تصريح الوزير رنة حزن مكتومة، لأنه أقرب من يعرف حجم التحديات الماثلة أمام دول الخليج قاطبة، وخاصة الدول الصغرى في الحجم والسكان والموارد، مع استعداد للدولة الأكبر، وهي المملكة العربية السعودية، أن تقوم بالقيادة، وربما ببعض التضحية لتمكين تلك الخطوة المستحقة والمطلوبة من التحقق على الأرض، أي تحويل التعاون إلى اتحاد. في إطار المصلحة البحتة، الدول الصغيرة أكثر احتياجا اليوم من الكبيرة في منظومة نقل التعاون إلى الاتحاد، وأريد أن أدلل بما أعرف، فلولا موقف المملكة العربية السعودية بقيادة المرحوم الملك فهد ومعاونة من أخيه الملك عبد الله، والذي كان وقتها وليا للعهد، لما تطورت أمور تحرير الكويت في عام 1990 كما عرفه التاريخ القريب، ولولا مبادرة مجلس التعاون - مرة أخرى - بقيادة المملكة في منع تطورات سالبة وكارثية في البحرين لما استقام أمر الأمن في هذه المنطقة، كما تم له حتى الساعة، وهناك أمثلة أخرى كثيرة في الجانب الشرقي من الجزيرة، والجنوبي في اليمن، تؤكد ذلك المنحى الذي تقدمت المملكة فيه لأخذ المبادرة، ومنها بالطبع مبادرة الملك عبد الله بتطوير التعاون إلى اتحاد.

ليس أكثر عبثية من المنظور السياسي من التحجج بأن «مجلس التعاون» لم يستنفد أغراضه أو أن هناك مشكلات حدودية لم ينته منها حتى الآن، تلك ذرائع يحتج بها للتأجيل في الخطوة المستحقة التي يمكن لها أن تنقذ الجميع من المخاطر الشاخصة حولنا، وهي مخاطر لم تعد خافية، ولم تعد بعيدة أيضا. تصريح الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع الإعلام الروسي، أول من أمس، يقول بوضوح، إن «من يصدر الفوضى لنا سوف تعود إليه الفوضى»! وليس بخاف أن الإعلام ورجال السياسة السورية يقولون لنا ليل نهار، إن «الإرهابيين السوريين»، في إشارة للمقاومة السورية التي بهرت العالم، مدعومون من دول الخليج، حتى بلغ الأمر في بعض الأحيان إلى الإشارة لدول معينة بأسمائها من قبل تلك المصادر! وذلك عطفا على التصريحات التي انطلقت من إيران، سواء من القيادات العسكرية أو البرلمان الإيراني بالتهديد والوعيد إلى درجة العودة إلى ما كان يطمح إليه شاه إيران السابق واعترف بعدم قدرته عليه، بأن تكون البحرين المحافظة الرابعة عشرة لإيران، هل يحتاج أحد للتذكير بمقولة صدام حسين حول الكويت، إنها المحافظة رقم 19؟

هل هي غفلة أن نؤجل إحدى الخطوات الرئيسية في الدفاع الاستراتيجي عن المنطقة ونحن أيضا نسمع ونشاهد نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي يدعو صديقه في بغداد نوري المالكي للوحدة الفورية بين بغداد وطهران، وهل نتجاهل الرغبة الحقيقية في بغداد لتصدير مشكلاتها العميقة باتجاه الجنوب كما فعل صدام حسين ذات مرة، وقد تسربت بعض الأنباء عن رغبة بهذا الخصوص وصلت إلى أطراف من الإدارة الأميركية؟! عدم التأهب للمتغيرات الكبرى المباشرة أو غير المباشرة هو من الغفلة التي يجب ألا تمر دون أن يقرع جرس الإنذار عاليا ومدويا حولها، فترك موضوع الاتحاد إلى «البيروقراطيين» وتسويفه إلى أجل غير مسمى، كالقول بأن تعقد قمة طارئة له متى ما أكمل البيروقراطيون الدراسة لتفاصيل التفاصيل! هو أمر يبتعد عن النظرة الاستراتيجية ليغرق في الآنية، كما أنها تجاهل لوضع إقليمي بالغ الخطورة. وقد يكشف هذا التجاهل سريعا ظهر المنطقة إلى تأثيرات لا ينفع بعدها احتضان السيادة، فبعد الاحتجاج بعدم فقدان بعضها، قد يغامر البعض بفقدانها كلية. لم يخف السياسي الإيراني ولا وسائل الإعلام المرتبطة بطهران غبطتها من إعلان تأجيل النظر في الاتحاد، بل تبجح بعضهم بالقول إن التأخير جاء بسبب نجاح الضغوط التي أشهرت من إيران وحلفائها في المنطقة! لا يجدي الحديث المكرر بأن الاتحاد المقترح لا يلغي خصوصية المكتسبات المحلية، كما لا يجدي بيان المصالح الكبرى الاقتصادية والاستراتيجية التي سوف تحصل من خلاله، كما لا يجدي البوح بضخامة الخسائر الفادحة التي تترتب على التشرذم والفرقة، والتي تتيح التدخل من الخارج وقضم منطقة الخليج قطعة بعد قطعة، كما لا يجدي الحديث عن الأخطار المحدقة من الغرب والشرق والشمال والجنوب، فكلها إن لم يكن جلها، شاخصة أمام من يريد أن يرى، ولكنه التردد والمراوحة في المكان والتحجج بالصغائر التي تريد الاحتفاظ بالجزء وربما تخسر الكل. المصلحة الحقيقية لأبناء المنطقة قاطبة هي بالإسراع في الخطوات التي دعا إليها العاهل السعودي الملك عبد الله في نظرة استراتيجية ثاقبة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث دعا إلى تطوير التعاون إلى اتحاد، لأن أي ثمن سوف يدفع الآن سيكون أقل تكلفة من الأثمان التي يمكن أن تدفع من الجميع في حال وصول التسونامي السياسي الذي يضرب اليوم الإقليم برياحه العاتية.

آخر الكلام:

ربيع العرب ينتج بعضا من المتوقع السلبي، ففي ليبيا ينادى بقانون يمنع انتقاد الثورة، وفي مصر يفكر بقانون يحصن البرلمان المصري من أحكام المحكمة الدستورية العليا! إنها الحرية التي تستخدم لوأد الحرية!