قادة إيران وفوبيا الاتحاد الخليجي

TT

سقطت الأقنعة عن قادة النظام الإيراني ونواياهم تجاه مملكة البحرين ودول الخليج العربي، فإذا كان يوجد لدينا بعض الشك عن نوايا إيران قبل مؤتمر الرياض الاستثنائي الأخير لقادة مجلس التعاون، فإننا الآن أصبحنا على يقين بأن النظام الإيراني يبيت نوايا شريرة تجاه مملكة البحرين، وأن الأطماع الإيرانية في البحرين حقيقة دامغة لا جدال فيها، فإيران عبرت عن نيتها بشكل لا لبس فيه عن ضم البحرين إليها، عندما اعتبرت أن وحدة البحرين مع المملكة العربية السعودية احتلال، وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني عندما قال في معرض إجابته عن مطالبة أحد النواب باتخاذ إجراء دبلوماسي جاد في ما يتعلق بخطة السعودية والبحرين لإقامة اتحاد سياسي، إن «البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان السعودية ابتلاعها بسهولة والاستفادة منها». ووصف هذا النوع من الممارسات بأنها تثير الأزمات في المنطقة، قائلا إن «هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيرات سيئة على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا». وكان النائب حسين علي شهرياري، ممثل أهالي مدينة زاهدان، قال مخاطبا رئيس المجلس: «كما تعرفون، فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإن البحرين انفصلت عن إيران».

ومما يثير السخرية أن النظام الإيراني ما زال يفكر بعقلية قديمة وهي عقلية الاحتلال والاستعمار التي عفا عليها الزمن. ومن جانب آخر يتبادر السؤال الذي ما زال يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام من قبل النظام الإيراني بمملكة البحرين؟ إن عقلية الاحتلال والاستعمار عقلية إيرانية وليست سعودية، وإلا بماذا نفسر هذا الإصرار الإيراني على احتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث التي احتلها شاه إيران؟ النظام الإيراني ما زال يتبع سياسة عفا عليها الزمن وهي سياسة حل مشكلاته الداخلية على حساب الغير.

ما زلنا نردد القول الذي تؤكده الوقائع يوما بعد يوم أن ما جرى في البحرين بتاريخ 14/11/2011 كان محاولة انقلابية وراءها النظام الإيراني، ولذا فنحن هنا في البحرين كان يحق لنا أن نقول إن البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان إيران ابتلاعها ولستم أنتم في إيران أن تقولوها.

يجب أن يعي قادة إيران أن المملكة العربية السعودية لم يرد في تاريخها أنها طالبت بالبحرين، بل العكس هو الصحيح، وهو أن الشواهد التاريخية كلها تدل على أن النظام الإيراني هو الذي ظل يطالب بالبحرين سواء في زمن الشاه أو في زمن حكم الملالي، حيث يحدثنا التاريخ عن أن الأطماع الإيرانية في البحرين قديمة يعرفها القاصي والداني، ولكنها لم تجرؤ على عرض مطالبتها بالبحرين أمام المجتمع الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، فهي تعلم مسبقا بفشلها الذريع إن هي حركت ادعاءاتها الباطلة أمام منظمة الأمم المتحدة، ولكنها استخدمت سياسة الاحتجاج كلما ورد اسم البحرين في مناسبات دولية، وبسبب عدم جدوى احتجاجاتها لدى المجتمع الدولي ظهرت مسألة البحرين في صبغة قومية إيرانية في ذلك الوقت، حيث أصدرت وزارة التربية والتعليم الإيرانية قرارا يقضي بتدريس انتماء البحرين إلى إيران، كما طالبت إيران بتطبيق قوانينها على الشركات البترولية العاملة في البحرين عام 1946، وفي نفس العام اتخذت الحكومة الإيرانية إجراءات سياسية، حيث أصدر البرلمان الإيراني قرارا يقضي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الرسوم البريدية على الرسائل الصادرة والواردة من وإلى البحرين، كما أظهرت الحكومة الإيرانية احتجاجا على صدور قوانين الجنسية والملكية من قبل حكومة البحرين، وأصدرت قرارات تفرض على المواطنين البحرينيين التجنيد الإجباري والخدمة العسكرية بمجرد دخولهم الأراضي الإيرانية قصد زيارة المزارات الشيعية.

وبالمقابل، يحدثنا التاريخ عن أن المملكة العربية السعودية كانت تقف وراء استقلال مملكة البحرين، فلقد استنكرت الحكومة السعودية بشدة في ذلك الوقت مواقف إيران وأكدت عروبة البحرين شعبا وأرضا، كونها امتدادا طبيعيا للجزيرة العربية، وذات وضع خارجي قائم بذاته. وأضافت الحكومة السعودية بتأكيدها أننا نستطيع أن نصدق أي شيء، إلا مطالبة إيران بالبحرين كولاية إيرانية أو جزء لا يتجزأ من إيران.

ومن جانب آخر، يحدثنا التاريخ عن أن هناك تجارب وحدوية حدثت في العالم العربي، أهمها تجربة وحدة مصر وسوريا عام 1958، فهل استنكرت تركيا في ذلك الوقت مثلا هذه الوحدة بسبب مجاورتها لسوريا. إن شعب البحرين ظل يكافح من أجل الحرية والاستقلال كي يشترك مع إخوانه العرب وجيرانه في وحدة العالم العربي، والتشكيك في هذا المبدأ تشكيك في الحقائق الجغرافية الأولية، وعندما تجرأ شاه إيران على المطالبة بالبحرين كان الغرض منه هو أن يحصل من إسرائيل وحلفائها على مكافأة مقابل وقوفه مع إسرائيل في عام 1967 عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تتزود بالوقود من ميناء بوشهر الإيراني وتضرب القوات المصرية في صحراء سيناء، وعندما صمم الشاه على مطالبته بالبحرين تم إرسال مبعوث من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، فما وجد من شعب البحرين بكل طوائفه وفئاته إلا كل الرفض لضم البحرين لإيران، فما كان من الشاه في عام 1971 إلا أن قام باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث كبديل عن البحرين، في ظل سكوت المجتمع الدولي بما فيه الدول الكبرى في ذلك الوقت وفي غفلة من الزمن.

على قادة النظام الإيراني أن يدركوا أن البحرين ليست مثل العراق أو سوريا أو لبنان، حيث الوضع في البحرين يختلف وأن تماديهم في التدخل في شؤون البحرين الداخلية ودول الخليج العربي هو لعب بالنار وأنهم أول من سوف تحرقهم هذه النار، والمستقبل يحمل الكثير، وعليهم أن يستفيدوا من الماضي عند حربهم مع العراق! وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.