خطى الانتقال المترددة في الصين

TT

ربما كان حديث بعض القادة الصينيين على مدار السنوات الماضية بشأن «توافق بكين» الجديد ونجاح «النموذج الصيني» نذيرا بانفجار وشيك. ويتجلى حاليا تكبر القادة الصينيين الذين يبذلون جهدا مضنيا من أجل معالجة أعظم أزمة داخلية تشهدها البلاد منذ احتجاجات ميدان تيانانمن عام 1989.

هذه المرة ظلت المكائد السياسية وراء الستار بين قيادات الحزب الشيوعي، وكان الغرض الرئيسي منها هو التخلص من بو زيلاي، القيادي الطموح بالحزب في إقليم تشونغتشينغ. وكان التحقيق الخاص بقضايا فساد بحق بو بمثابة صدمة للنظام. ومن جانب آخر، أثارت دائرة معارف وأصدقاء بو الواسعة للغاية مخاوف الكثير من الشخصيات البارزة بالجيش والأحزاب. وتعمل الصين بجد لإخفاء ممارسات النظام السياسي، حتى إن متابعي الوضع من الخارج لا يعرفون سوى القليل عن الاضطرابات الموجودة في الصين. وجاء في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، الأسبوع الماضي، أن تشو يونغ كانغ، أحد أكبر مؤيدي بو في اللجنة الدائمة التابعة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، تم إجباره على التنازل عن السيطرة على الشرطة والقضاء والبوليس السري.

وورد أيضا في صحيفة «وول ستريت» يوم الخميس أنه تم التحقيق مع اثنين من المسؤولين الصينيين البارزين، وهما الجنرال ليو يوان والجنرال زانغ هيانغ، بخصوص الصلات التي تربطهما ببو. وتنتشر تلك الشائعات، حيث لا يمكن التحقق من أي منها.

وتعم حالة من الشك أرجاء الصين، حيث يحاول المسؤولون فهم الأحداث وحماية أنفسهم. وتعد تلك اللحظة محطمة للأعصاب في بلد أشار فيه مستثمر منذ زمن طويل إلى أن «الهدف الرئيسي للمكتب السياسي هو سرقة أكبر قدر من المال في أسرع وقت ممكن». وسيتم انتقال السلطة في الصين حسب الجدول الزمني المحدد سلفا خلال الخريف الحالي، بحسب الخطاب الرسمي الذي تنقله صحيفة «الشعب» اليومية، حيث من المتوقع أن يفوز شي جين بينغ على منافسه هو جينتاو في سباق الرئاسة. هذه الجبهة الشجاعة تخفي وراءها حالة من القلق الشديد، كما يصفها المراقبون. وجه البعض انتقادات شديدة إلى بو باعتباره الابن المدلل لنخبة الحزب، إلا أن هناك بعض الأعضاء بالمكتب السياسي، الذين طردوه، هم أنفسهم أبناء مدللون، ومنهم رئيس الوزراء وين جياباو وجين بينغ نفسه. ولا تعد أهداف الحملة المعادية لبو واضحة، ولذا يصعب التنبؤ بمصيرها.

ما الذي يحرك السباق الرئاسي؟ طرحت هذا السؤال على كينيث ليبرثال، العضو البارز بمؤسسة «بروكينغز»، وعالم الحضارة الصينية الأكثر احتراما في الولايات المتحدة. ولاحظ كينيث ثلاثة عوامل تجعل من اللحظة الراهنة لحظة حرجة:

- نادرا ما يكون انقسام القيادة الصينية على نفسها جليا، حيث تقدر شخصيات قيادية في الحزب التوافق وتؤمن بكونه عنصرا رئيسيا للحفاظ على الاستقرار. لقد تعلموا منذ زمن طويل أن عليهم الاتحاد وإلا سيواجهون خطر التشرذم والضياع. هذا التوافق محل نقاش حاليا.

- تبدو الطبقة المتوسطة، التي ساعد ظهورها على الاستقرار السياسي، ساخطة، حيث تتردد شكواها في مواقع التواصل الاجتماعي من سلامة المنتجات وجودة الهواء، الذي وصفه المسؤولون الأميركيون بأنه شديد التلوث، واستشراء الفساد. ويزداد سخط هذه الطبقة الاجتماعية التي تتسم بأهمية كبيرة، ويؤدي انتشار مواقع التواصل الاجتماعي إلى تضخيم ذلك السخط.

- تشعر النخبة الصينية بالقلق إزاء العمالة المهاجرة الضخمة، يقدر عددها بنحو 300 مليون، يعيشون غالبا على أطراف مدن الأثرياء الساحلية. إنهم يمثلون مصدرا محتملا للفوضى، حيث يحرمون من حياة المدن والخدمات التي توفرها الحياة في الحضر. إذا كان هناك شيء تجيد الصين عمله، فهو إدارة وقمع المعارضة داخل البلاد. قد يكون من المؤكد أن بكين ستقمع المعارضة، ولكن الأمور ستزداد سوءا. ولا تزال تلك المشكلات باعثة على القلق، حتى لو كان الاقتصاد الصيني في أوج ازدهاره، فماذا إذا أدركنا أن النمو الاقتصادي في تراجع. وتباطأت حركة التصدير والاستيراد خلال العام الماضي، كما خفف البنك المركزي من شروط الاحتياطي للمرة الثالثة خلال ستة أشهر، لتشجيع البنوك على منح المزيد من القروض.

ماذا يعني هذا الانتقال المتأرجح للسلطة في الصين بالنسبة للولايات المتحدة؟

إن ليبرثال على حق في اعتقاده أن الولايات المتحدة لا تستطيع التأثير على مجريات الأمور؛ فالصين دولة كبيرة ومعقدة إلى درجة لا تسمح لها بذلك. على مدار 40 عاما، رأت الولايات المتحدة في استقرار وصعود الصين ما يتماشى مع مصالحها، ولم تتغير تلك المصالح حاليا، لكن إن لم تستطع القيادة الصينية احتواء الاضطرابات الحالية، قد تظهر قوى سياسية أخرى مطالبة بالمزيد من الديمقراطية والانفتاح.

الأميركيون مضطرون للتعاطف، كما فعلوا تجاه المتظاهرين في ميدان تيانانمن، ولكن قد تتخذ عملية التغيير منحى فوضويا. إن تطور الصين خير من انفجارها بالنسبة للجميع.

* خدمة «واشنطن بوست»