المالكي باق وخصومه مختلفون

TT

من حيث المبدأ والحسابات الرقمية، فإن لدى «التحالف الكردستاني»، والقائمة العراقية كلها أو «بعضها»، والتيار الصدري، القدرة على تأمين العدد المطلوب من الأصوات لإسقاط حكومة المالكي برلمانيا والإبقاء على الرئاسات الأخرى. إلا أن النظريات شيء والواقع الفعلي شيء آخر. فقد سبق أن حاولت أطراف عدة سحب الثقة وتراجعت عن توجهاتها، على الرغم من قدرتها العددية. أما الآن، وعلى الرغم من الهرج السياسي والتهديد والتشهير وكشف بعض ما يسمى المستور، فإن العملية تبدو أكثر تعقيدا. وهو باق في موقعه حتى لو أسقطت حكومته وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال، لأن الاتفاق على البديل يحتاج إلى إمدادات غيبية فعلية. فلمصلحة من تأتي الإمدادات؟

اجتماع مجلس الوزراء في كركوك لم يكن اجتماعا كسواه مما حدث في محافظات جنوبية. فكركوك لا شبيه لخطورة تعقيداتها، والأكراد ليسوا مستعدين للاتفاق على حساب أهدافهم فيها، حتى لو أن فريقا منهم بقي على الدوام يوصي بالصبر حيالها. وموقف القائمة العراقية يمكن تشبيهه بالسير على حبل معلق. فعرب كركوك والمتعاطفون والملتزمون معهم مستعدون للانصهار في أي تيار يمنع إلحاقها بكردستان. والتيار الصدري له ظروفه ويواجه معرقلات مفروضة عليه، على الرغم من شعبيته الواسعة وتماسك كيانه. فعلى أي قاعدة سيقرر فريق أربيل سحب الثقة من حكومة المالكي وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال؟ وما حدود التلاقي بين أعضاء الفريق؟ وهل سيجري الاتفاق على ترحيل كل القضايا العالقة إلى ما بعد الانتخابات المقبلة؟ إذا حدث هذا، فإنه سيعني حدوث تطورات سياسية أشغلتنا عنها أمور أخرى! وإذا كانت هذه التصورات ممكنة، فهل راهن المطلك رهانا مجردا من أي حسابات بدائية بعودته إلى عمله الحكومي قبل يوم واحد من انتهاء مهلة الأسبوعين؟

في السابق، كان الحديث يدور عن تحالف كردي - شيعي، وهو في الحقيقة عبارة عن تلاقي مصالح بين أطراف سياسية خاضت صراعا ضد النظام السابق، أكثر مما هو تحالف استراتيجي. ففي أول هزة وتصادم مصالح مع الكرد، حرم الجعفري من رئاسة الوزراء، مع أنه كان الفائز بفارق صوت واحد عن منافسه عبد المهدي. وبعد تسعة أعوام، انتقل حراك المصالح إلى داخل الفريق الشيعي إلى حد ما. أما البيت السني، فأستعير عبارة مشهورة للرئيس الراحل أحمد حسن البكر وهي: «مسكينة الأمة العربية». وأقصد كثيرين من سياسيي سنة السلطة حكومة وبرلمانا.

كثير من المواقف سببه ومرده الفساد، لذلك لم يستثن التراشق إلا القليل. وظهرت الآن تهديدات بكشف أوراق ووثائق أخرى سياسية وأمنية.. وهو باب إن فتح فعلا فسيكون مربحا جدا لتأسيس كبرى شبكات الإعلام في الشرق الأوسط لهذا الغرض. وثبت أن المتخاصمين قد تحلوا بالصبر حتى الآن. لكن كثيرين من السياسيين لم يعد يهمهم كشف المستور، لأنهم تجاوزوا منطقة التأثير، مع أنهم قد يتعرضون لوجع رأس شديد. لذلك، لا أرى أن الحالة قد وصلت إلى طحن العظام حتى لو كسرت!

السؤال الذي يطرح الآن على الذين كتبوا الدستور هو: أين كنتم أيها السادة عندما أبقيت ولاية رئيس الوزراء مفتوحة بلا سقف؟ وهل كانت ولاية رئيس الجمهورية البروتوكولية (كما تصفون) مهمة فحددتموها بمرتين؟ وإذا كنتم قادرين على تغيير المعادلة الآن، فلماذا لا تعملون وفق الأسس التي رسمتموها أو ما يدخل تحت سقف الممارسات الديمقراطية؟ فهل كان النقص في الخبرة هو السبب؟ أظن أن هذا ينطبق بامتياز على كثيرين ممن كتبوا الدستور. ومسكينة الأمة العراقية!

المسألة لا تتعلق بقوة تماسك «التحالف الوطني» من عدمها، بقدر ما تتعلق بعدم قدرة العراقيين على فهم خطورة التعقيدات الإقليمية والدولية، والذين فهموا المعاني الديمقراطية يروق لهم حرفها نحو اتجاهاتهم الخاصة، والتعبئة الجماهيرية لا تزال تنقصها عناصر تقوية النسيج الاجتماعي بعيدا عن الاستقواء بعناصر القوة الداخلية أو الخارجية، وهي كثيرة وكبيرة ومتعددة ومتشعبة.

العراقيون اليوم بحاجة إلى مارد يطور التوافق ولا يلغيه. يطوره إلى ثورة ديمقراطية تحترم الخصوصيات الخاصة لا أن تستهدفها، ومن يريد أن يغير جلده متأثرا بعوامل الطبيعة وليس الإغراء أو الإكراه فذلك شأنه.

وقناعتي أن المالكي باق حتى انتهاء ولايته بعد سنتين، وخصومه مختلفون، وإن حدث خلاف ذلك، فلن يكون إلا بقدرة قادر.