ألعاب القوى

TT

جاء الزميل سالم الجسر إلى الصحافة من «ألعاب القوى». كان بطل لبنان في «رمي الكرة الحديد»، وهي رياضة تتطلب من صاحبها أن يكون في حجم هرقل ولكن أكثر قوة منه. وخلال عمله في مجلة «الحسناء»، وقع خلاف بينه وبين زميل في حجم فاتن حمامة وهي طفلة. حاول سالم أن يهدئ الأخ فاتن فأصرَّ هذا على الزعيق. ثم انتقل من الزعيق إلى لكم سالم حيث وصلت يداه.

كيف تصرف «هرقل»؟ حمل نفسه وخرج من المكتب. وعندما سأله رئيس التحرير في اليوم التالي لماذا «هرب»، أجابه، هل في إمكانك أن تتصور ماذا كان حدث لو لم أهرب؟، كنت سأرد على هذا المسكين حيث تطال يدي، أي فوق رأسه، وكان رأسه سينفسخ، وأنا سأذهب إلى السجن، وأنت ستفلس بسبب الفضيحة: قتيل في مكاتب «الحسناء».

ماذا لو كان للنظام السوري قلب سالم الجسر، وغادر درعا ذلك النهار بدل أن يقلع أظافرها. نحن نعرف جميعا أن النظام أقوى من العصابات المسلحة. نعرف ذلك من أعداد القتلى و«تماسك» الجيش ودك المدن منذ أكثر من عام. الذي لا نعرفه، لماذا لم يخطر له أن يجرب حل سالم الجسر. حل الساعد القوي والقلب الوديع والقوي المتعقل.

بدل ذلك، لجأ النظام إلى السخرية القاتلة والانتحارية معا. دعا إلى انتخابات عامة في بلد تجرفه اضطرابات عامة وخوف عام. وأعلن تشكيل «محكمة دستورية عليا» مرفقة بالإعدام الميداني. وانتظر من كوفي أنان أن يهدئ «العصابات الإرهابية» بدل أن يعلن هدنته ويدعو الجميع إلى الدخول فيها.

إلى أي طاعة يريد النظام السوري جرَّ «العصابات المسلحة» بعد كل هذه الدماء والأشلاء وازدراء الأرواح والكرامات وعقول العالم؟

كم سوف يفيد كشف باخرة أسلحة في لبنان، أو كشف تمويلات سائح قطري في بيروت؟ هل المسألة هي باخرة سلاح أو دبابات وأسلحة الجيش الرسمي، الذي يدرب في بلدان العالم على حماية الناس والذود عن كراماتهم ودرء الخطر عن مصائرها والحؤول دون تشردها؟ متى وفي أي زمن رأينا سوريين ينامون في المخيمات وينتظرون معونات الخارج؟ ماذا يحقق النظام إذا حقق غدا الانتصار. بدأوا المسألة كلها في قلب دمشق بهتاف «الشعب السوري ما بينذل».

أليس الإعلان عن «محكمة دستورية عليا» فوق هذه المدافن، تماديا في إهانة الشعب السوري الذي يبلغ عدد قتلى عصاباته المسلحة 15 ألفا؟ دون كلل. دون أمل. ربما يستحق هذا الشعب أيضا معارضة أفضل من هذه الركاكة. هو الذي دفع إلى السجون بآلاف الأحرار، وهو الذي قدم للعرب أفضل المناضلين. إلى ماذا يريد النظام الوصول، وليس إلى أين تسير المعارضة. أي سوريا يريد النظام أن يحكم؟ أي وطن يريد إعماره غدا؟ في أي موقع يريد أن يضع سوريا بين العرب وفي العالم؟ ومتى يدرك حقا أن كل الحلول المطروحة هي من أجله لا من أجل العصابات المسلحة.