شهادة عن لوكيربي!

TT

عام 1995 التقيت في طرابلس بعبد الباسط المقرحي وأمين فحيمة، المتهمين بتفجير طائرة مدنية أميركية فوق منطقة لوكيربي في اسكوتلندا، راح ضحيتها 270 شخصا. وفي 1991 تم توجيه الاتهام إلى نظام العقيد القذافي بالتخطيط والتمويل والتنفيذ لعملية التفجير.

وحينما دخلت ليبيا عبر الطريق البري من جربة التونسية نتيجة الحصار الجوي الدولي المفروض على ليبيا لرفضها تسليم المقرحي وفحيمة، كان السؤال الذي يراودني: هل بلغ الجنون بالقذافي إلى تفجير الطائرة الأميركية، أم أن الاتهام هو جزء من محاولات النظام الدولي شيطنة القذافي؟

أتيح لي إجراء مقابلة تلفزيونية استمرت 6 ساعات مع القذافي على مدار يومين، وفي الاستراحة الإعلانية قبل الأخيرة من اليوم الثاني همست في أذن العقيد القذافي: «لدي طلب خاص يا أخ معمر»، نظر إليّ نظرة ذات مغزى أعرفه جيدا، معتقدا أن لي مأربا أو غنيمة شخصية منه، فقال هو أيضا هامسا: «إيش تبغي؟». قلت له: «أريد أن أُجري مقابلة غدا على الهواء مباشرة مع المقرحي وفحيمة».

صمت للحظة وأيقن أن المكافأة الوحيدة الشريفة التي يمكن للحاكم أن يمنحها للصحافي هي «السبق الصحافي». ثم أضاف: «باهي... باهي»، وأصدر أوامره لمساعديه.

كان هذا هو اللقاء الأول لفحيمة والمقرحي، وأذكر أن اليوم كان يوم اثنين، لأنهما كانا صائمين وأفطر كل منهما على تمرة وكوب حليب. طلبت أن أبقى معهما منفردا دون وجود أي من رجال الأمن أو الاستخبارات الليبية، وظللنا نتحدث لمدة ساعتين قبل التصوير.

وأشهد بالله أن فحيمة والمقرحي أعطياني مجموعة من الانطباعات الإيجابية التي يمكن إجمالها على النحو التالي:

1) أن هناك دورا ليبيا ما في عملية التفجير، قد يكون بالتمويل ولكن ليس بالتنفيذ.

2) أنهما بالتأكيد يتبعان جهازا أمنيا تابعا للقذافي، لكنهما ليسا في حالة تورط مباشر في واقعة لوكيربي بالتحديد.

3) شعورهما الشديد بالذنب لأن المواطنين الليبيين يعيشون لسنوات يعانون من عقوبات المقاطعة والحصار الدولي بسبب رفض النظام تسليمهما للمحاكمة.

فحيمة والمقرحي شخصيتان من داخل النظام الليبي لكنهما نموذج للإنسان المكره على خدمة النظام، ولكن ليس إلى حد تفجير طائرة مدنية.

هذا ما شاهدته. هذا سمعته. هذا هو إحساسي، وتلك هي ذاكرتي وأنا أقرأ خبر وفاة المقرحي.