ما الذي ينبغي أن تفعله الحكومات البريطانية بعد ذلك؟

TT

في عالم يمتلئ بسحب متراكمة وطقس متقلب ينذر بهبوب عاصفة، أرجو أن يستمر سطوع الشمس على كل شخص منكم في رحلته عبر عام 2012 الحافل بالأحداث.

يبدو أن الموضوع الذي دار حوله الجدل هذا الأسبوع هو كيفية تخلي اليونان عن عملة اليورو، والجواب الصحيح هو أن أحدا لا يعلم على وجه اليقين، لأن هذا سيكون أمرا غير مسبوق، حيث لم يتم وضع آلية قانونية كي يغادر بلد ما منطقة اليورو حينما أنشئت العملة الموحدة. وسوف أترك هذه النقطة إلى آلاف المعلقين الآخرين الذين سيتناولونها بالتحليل ويدلون بدلوهم فيها، ولن أقول أكثر من هذا حول الموضوع. إذن، بينما تطل مشكلات منطقة اليورو بوجهها، علينا أن نتذكر أن هناك أشياء أخرى تحدث. فقد كتب إلي صديقي الحميم أندرو ليونغ، وهو أستاذ زائر آخر في كلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن ميتروبوليتان»، هذا الأسبوع من هونغ كونغ، قائلا في رسالته: «على الصعيد الأوروبي، لم تكن الأمور لسنوات طويلة تبدو قاتمة إلى هذا الحد، إلا أن مجموعة بلدان البريك (وهي البرازيل وروسيا والهند والصين) لم تكن منيعة هي الأخرى. وعلى وجه الخصوص، يبدو أن محركات الاقتصاد الصيني تئن على كل الأصعدة». وأندرو اختصاصي دولي ومستقل في الشأن الصيني، وهو يعتبر مطلعا للغاية على مثل هذه الأمور.

وقد كان السؤال الذي طرحه علي المحررون في «الشرق الأوسط» هذا الأسبوع هو: «ما الذي ينبغي أن تفعله الحكومات بعد ذلك؟».

بادئ ذي بدء، من المهم أن لا نغالي في تبسيط المشكلات التي تواجه العالم، فهي لم تقع بين عشية وضحاها، ولن تحل من دون قدر هائل من العزيمة والعمل الشاق. ومن المهم أيضا أن ندرك أنه توجد ثلاث أزمات متوازية تؤثر جميعها هنا في نفس الوقت، وهذه الأزمات هي الأزمة المصرفية وأزمة الديون السيادية وأكثرها خطورة أزمة التنافسية. وأول مشكلتين من الممكن علاجهما في نهاية المطاف، أما آخر المشكلات الثلاث فسوف تستغرق وقتا أطول بكثير، وهي تتطلب قدرا أكبر بكثير من الصدق من قبل رجال السياسة.

وينبغي أن تعمل الحكومات بكل طاقتها من أجل توفير أفضل بيئة ممكنة لازدهار شركات القطاع الخاص، وعليها أن تساعد القطاع الخاص كي ينمو ويصبح أكثر إنتاجية، وأن تشجع الأنشطة الاقتصادية التي تستفيد من الميزة النسبية لكل بلد من البلدان. وما يجب على الحكومة فعله هو أن تضع برنامجا لخفض الضرائب، والتحرر من القيود التنظيمية، وإلغاء أكبر كمّ ممكن من قوانين العمل غير الضرورية، والعمل معا من أجل إعطاء الاقتصاد العالمي الحافز القوي الوحيد الذي يمكن حقا أن يصنع فارقا، وهو التوسع في حريات التجارة. ومن المهم أيضا أن تضع الحكومات خطة قوية لخفض مستويات العجز.

وطبقا لما قاله رئيس الوزراء البريطاني: «حتى مع انتخاب رئيس اشتراكي في فرنسا، فقد صرح بالفعل قائلا: كيف سأحفز الاقتصاد؟ لن أفعل ذلك من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، لأنه صار يتعين علينا بالفعل أن نقلل منه».

والحقيقة القاسية هي أن التقشف لا يفلح إذا لم تكن هناك إنتاجية، والإنتاجية لا يمكن أن تحدث من دون إعادة توزيع الاستثمارات على القطاعات التي يستطيع البلد أن يكتسب ميزة نسبية فيها. وفي أي نظام اقتصادي مختلط، لا يحدث هذا من دون قيادة منسقة بين الحكومة والقطاع الخاص تركز على إعادة التنمية الاقتصادية، مع وجود التزام سياسي وثقافي تجاه الإصلاح المؤسسي (قواعد اللعبة)، أي البيئة التنظيمية والضريبية.. إلخ.

وهناك أيضا مشكلة التضخم، وجزء كبير من هذه المشكلة هو نتيجة مباشرة لتكاليف الغذاء والطاقة. وبالتالي، فإن على الغرب أيضا أن يحيي جهوده المشتركة من أجل دعم النمو والاستقرار المالي وأمن الطاقة.

وفي مقالتي الأولى في شهر مارس (آذار) من العام الحالي، ذكرت أن أحد العناصر الحيوية في أي اقتصاد ناجح هو ما يوجد به من منشآت صغيرة ومتوسطة. وقد ذكرت في المقالات السابقة أن مؤسسات القطاع الخاص المحلية تقدم مجموعة كبيرة من الخدمات، وأنها تعتبر رد الفعل التجاري من المجتمع فيما يتعلق بتطوير وتقديم خدمات جديدة، ولا بد أن تكون الضوابط التنظيمية مساعدة وألا تهدد نموها. هذا هو أول وأهم شيء تستطيع الحكومات أن تفعله. أما الشيء الثاني فهو أن تضع شروطا إلزامية بأن تحصل المنشآت الصغيرة والمتوسطة على مستحقاتها في الموعد المحدد وبصورة كاملة، حيث إن بقاءها يعتمد في الغالب على التدفقات النقدية، والوضع في كثير من البلدان يبعث على الأسى في هذا الصدد.

وكثير من الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة لها علاقة بالقانون الضريبي، مثل منح ائتمانات ضريبية تقلل من نفقات الانتقال حينما تعيد الشركات الوظائف إلى بلدها، ومنح ائتمان ضريبي دائم لشركات البحوث والتطوير، وخفض ضرائب الشركات. كل هذه سياسات حكومية تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال بالنسبة للمصنعين، وبرامج لتشجيع الناس على تنمية المهارات المفيدة في الوظائف الصناعية، وخاصة عن طريق التعليم في كليات المجتمع، وتمويل مراكز الاختبار الإقليمية الجديدة لتطوير التكنولوجيا مثل معاهد الابتكار الصناعي. وعلى الحكومات أن تزيد من الحوافز أمام الاستثمار التجاري، وأن تحسن مستوى تدريب العمال من جانب الشركات، وليس داخل النظام التعليمي فحسب، وأن تشجع الشركات المحلية على مواصلة الابتكار.

وقد ظهرت مؤخرا أصوات تنادي بأن «الإنفاق» يمكن أن يحل محل «التقشف» كوسيلة للخروج من الأزمة، وربما يكون هذا تفكيرا طموحا أكثر من كونه تفكيرا عمليا. وعلينا أن نقرر ما إذا كنا سنعود مرة أخرى إلى وضع برامج للنمو على خلفية الدين، أو ما إذا كنا سنضع برامج نمو مستدامة تستند في الواقع إلى القدرات التنافسية للبلدان المختلفة.

وعلى مستوى أكثر التصاقا بالاقتصاد الكلي، وموضوع تحسين مستوى تدريب العمال من قبل الشركات، هناك الكثير مما هو متوافر هنا في بريطانيا يتوافر أيضا أمام المؤسسات في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، على الرغم من أنه يظل هناك طلب كبير جدا من الشرق الأوسط على شراء الفنادق اللندنية الفخمة، وهو أمر جيد، لا بد أن يكون هناك أيضا تركيز من الأعضاء الأحدث سنا في المجتمع الشرق أوسطي على تعلم المزيد عن كيفية إدارة (وإنشاء) مرافق الضيافة والسياحة والترفيه بصورة فعالة. وتستطيع الحكومات أن تشجع هذه القطاعات الخدمية، وكذلك التدريب المهني اللازم لها.

وسوف يحتاج الجيل الجديد إلى مستويات من المهارات أعلى بكثير من آبائهم، في عالم تتزايد فيه سيطرة الضيافة باعتبارها مجالا لتوفير الوظائف من المستوى الأول. وتركز كلية إدارة الأعمال بجامعة «لندن ميتروبوليتان»، التي أعمل أستاذا زائر بها كما تعلمون، حاليا، على شهادات الدراسات العليا المألوفة في التمويل والإدارة وكذلك على تلك الشهادات التي يمكن أن تكون أكاديمية ومهنية في ذات الوقت (وهي الشهادات التي ستكون ضرورية من أجل الاستدامة والاستمرارية في العالم الحديث مستقبلا. وتقدم الكلية شهادات ماجستير ممتازة في الأعمال والإدارة في قطاع الفنادق والمطاعم، مع إمكانية الحصول على خبرة عملية في لندن، التي تعد مدينة رائدة عالميا في مجال الضيافة. ويحتاج قطاع الضيافة إلى محامين واختصاصيي تسويق وعلاقات عامة ومبيعات وموارد بشرية وموظفي شؤون مالية/ محاسبين ومقاولين. وكل هؤلاء لا بد أن يفهموا ويستوعبوا طبيعة هذا القطاع الخدمي، الذي يقدم مسيرة مهنية رائعة لمن يتمتعون بأفضل الخبرات والمعارف.

وفي رأيي أن هذا يبين أن هناك إجراءات لا بد أن تتخذها الحكومة، وأيضا إجراءات لا بد أن تتخذها الشركات نفسها. فكثير جدا من البلدان، بما في ذلك بريطانيا، تعتمد أكثر من اللازم على العمال المهاجرين الذين يتميزون بالمهارة والتفاني في العمل. ولا بد أن يكتسب الناس المهارات المناسبة، مما يسمح للبلدان المختلفة بأن تقلل من اعتمادها على العمال المهاجرين الراغبين في العمل بها. ولا بد أن تباشر الحكومات بصورة عاجلة تطبيق برامج لخفض الضرائب وإلغاء القيود التنظيمية. وكلا هذين المسارين يضيفي إلى طرق ووسائل معالجة أصعب مشكلة، وهي أزمة التنافسية.

* أستاذ زائر بكلية الأعمال،

جامعة «لندن متروبوليتان»، ورئيس شركة «ألترا كابيتال»