نصائح مهمة قبل الاندفاع وراء سهم «فيس بوك»

TT

ما الذي ينبغي أن يتوقعه المستثمرون العاديون بشأن التقلبات المربكة في سعر سهم «فيس بوك»؟ أو بشأن كون هذه الشركة، التي لا يزيد عمرها على 8 سنوات، أصبحت تساوي الآن أكثر من 104 مليارات دولار في البورصة؟ لتكوين رؤية ما حول الأمر، توجهت إلى هاري ماركويتز، الذي ربما يكون قد أثر في نظريات التمويل والاستثمار المعاصرة أكثر من أي شخص آخر على قيد الحياة.

وماركويتز، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1990، هو صاحب نظرية المحافظ الاستثمارية الحديثة. وقد كانت النصيحة التي قدمها هي: «لا تقلقوا كثيرا من تقلب سعر سهم (فيس بوك)، أو، في هذا الصدد، من حدوث تقلبات في سهم كبير آخر تتناقلها الأنباء، وهو سهم (جي بي مورغان تشيس)، بعد الإفصاح عن استراتيجية تحوط خطيرة تبلغ عدة مليارات من الدولارات».

وفي أسبوع كذلك الذي مررنا به توا، ربما تكون أنسب نصيحة من ماركويتز للوقت الراهن هي أن معظم الناس ليسوا بحاجة إلى التفكير كثيرا بشأن الأسهم المنفردة. وهو يقول: «يمكنك أن تضع نفسك في موقف يجعلك تقول في استرخاء: (فيس بوك)، (جي بي مورغان).. ربما يصعدان، وربما يهبطان. هذا حقا لا يهم».

ولكن في سوق جامح كهذه، كيف يمكن الوصول إلى رباطة الجأش هذه؟ لقد منحني ماركويتز (84 عاما) ردا على هذا السؤال الأسبوع الماضي، حيث قال: «الجواب يتلخص في كلمتين هما: (انتقاء المحافظ)، وهما أهم كلمتين كتبتهما على الإطلاق».

وقد كانت هاتان الكلمتان هما عنوان ورقة بحثية صارت حاليا من أدبيات الاقتصاد، وكان قد أعدها أثناء دراساته العليا في «جامعة شيكاغو» ونشرت في عام 1952، وقت أن كان يعمل لدى «مؤسسة راند» في سانتا مونيكا بولاية كاليفورنيا. وهي تتضمن عمليات حسابية معقدة، لكن فكرتها الأساسية ليست كذلك، حيث تتلخص في أن المستثمرين العقلانيين ينبغي أن يكونوا محافظ استثمار متنوعة للغاية من الأسهم والسندات تجمع بين المخاطرة والعائد بصورة تتناسب خصيصا مع احتياجاتهم وتصوراتهم. وقد أخبرني في حوار هاتفي معه استمر لمدة ساعتين الأسبوع الماضي: «لم يكن العنوان هو (انتقاء الأوراق المالية) أو (انتقاء الأسهم)، بل كان (انتقاء المحافظ). كان هذا أمرا ثوريا».

وربما لم يعد بناء محافظ استثمارية متنوعة بدلا من تصيد الأسهم الرابحة أمرا ثوريا اليوم - بعد 60 عاما - ولكن مع انتشار جنون «فيس بوك» في كل مكان، ربما تكون الفكرة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

صحيح أن حكمة «لا تضع البيض كله في سلة واحدة» حكمة قديمة، لكن نظرية ماركويتز قدمت ما سماه الراحل بيتر بيرنشتاين «عملية استثمار» رياضية محكمة. وقد ذكر بيرنشتاين، الذي كان يكتب مقالات في صحيفة «صنداي بيزنس»، في كتابه «أفكار رأس المال»: «كان أهم إسهام لماركويتز هو إصراره على التفريق بين المخاطرة التي يتسم بها سهم منفرد والمخاطرة التي تتسم بها حافظة استثمارية كاملة».

وأوضح ماركويتز، الأسبوع الماضي، أن نظريته، في أبسط صورها، تترجم إلى هذه النصيحة للمستثمرين غير المتمرسين الذين لا توجد لديهم دراية كافية بالسوق، وهي: «انسوا أمر الأسهم المنفردة مثل (فيس بوك)، واشتروا صناديق المؤشرات الكبيرة ذات الأسهم والسندات منخفضة التكلفة.. وزعوها بنسب معينة تعطيكم قدرا ترتاحون له من سهولة الحركة».

وتابع قائلا إن زيادة عدد السندات وانخفاض المخاطرة، كما هو مفترض، ربما يؤديان في النهاية إلى انخفاض العائد على المدى الطويل. وعليكم أن تعيدوا التوازن بصورة دورية، وأن تغيروا من شكل التوزيع إذا تغيرت احتياجاتكم أو تصوراتكم. وبعد ذلك، ما لم يكن الاستثمار هوايتكم المفضلة أو مجال عملكم، انتقلوا إلى الخطوة التالية (أو استعينوا بشخص محترف كي ينشئ لكم محفظة استثمارية). استمتعوا، وافعلوا الأشياء المجزية بشكل أكبر على المستوى الشخصي.

وقد ولد ماركويتز وترعرع في شيكاغو، حيث كان والداه، وهما مهاجران يهوديان من بولندا، يديران متجرا للبقالة، وكان مغرما بالقراءة في صباه، حيث بدأ بالكتب الفكاهية ومجلات المغامرات مثل «الظل» و«الزنبور الأخضر»، ثم انتقل إلى مطالعة الأعمال الفلسفية الجادة. وقد كان لمذهب الشك الذي نادى به ديفيد هيوم أثر كبير عليه طوال حياته، حيث ذكر في مذكراته القصيرة، التي ألفها عام 1990، أنه كان مفتونا «بمناقشة هيوم التي قال فيها إننا رغم أننا نترك الكرة آلاف المرات وفي كل مرة تسقط على الأرض، فإنه لا يوجد لدينا دليل بالضرورة على أنها سوف تسقط في المرة الألف وواحد».

ويظهر هذا المذهب الشكي بصورة ضمنية في نظرياته، فهو لم يطرح مثلا مزاعم مطلقة عن عائدات المحافظ الاستثمارية أو سلوك المستثمرين مستقبلا، وهو ينصح بتوخي الحذر تجاه «الهندسة المالية» - بما في ذلك صناديق التحوط مثل ذلك الذي أنشأه مصرف «جي بي مورغان» - التي يمكن أن تحدث فوضى بالغة إذا لم يتم التعامل معها بمنتهى الدقة.

وهو يقول إننا نعيش في حالة عميقة من عدم اليقين، ويجب أن نتخذ قرارات صعبة على أساس تصورات قابلة للتغير. ويضيف: «إننا دوما نكون اختيارات. حتى إذا حاولت أن تعتمد على التاريخ بوصفه موجها أو مرشدا، فإنك تكون اختيارا. أي تاريخ، وأي سنوات، وأي عائدات استثمار ستستخدمها؟ وإذا تغيرت الحقائق، فربما تحتاج إلى تغيير تصوراتك؛ هذا طبيعي. ولكن يمكنك أن تستخدم عملية عقلية» لدمج تلك التصورات داخل محفظتك الاستثمارية.

وقد لاحظ ماركويتز أن سلوك المستثمرين يتسم في الغالب بقدر من الخصوصية والغرابة، وهو بالتأكيد أكثر تعقيدا بكثير مما تسمح به هذه النظرية التقليدية. بل إن فكرته التي كونها في عام 1952 عن أن الناس يتجاوبون مع تغيرات الثروات - في مقابل حالات الثروات - قدمت واحدا من القوالب الرئيسية في بناء علم الاقتصاد السلوكي، بحسب دانييل كانمان، وهو أستاذ فخري في جامعة برينستون، وحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002، الذي استشهد بنظريات ماركويتز في كتابه الأخير «التفكير السريع والبطيء».

وفي جامعة شيكاغو، التي حصل فيها ماركويتز على شهادته الجامعية ودراساته العليا، انصب اهتمامه على «اقتصاد عدم اليقين» (economics of uncertainty)، الذي ظل يدرسه طوال حياته. وهو يقول إنه تتلمذ على يد العديد من «العمالقة»، ومنهم ليونارد سافاج وجاكوب مارشاك وتيالنغ كوبمانز وملتون فريدمان، والأخيران سبق لهما الحصول على جائزة نوبل أيضا. وقد لقنه فريدمان الاقتصاد مباشرة وكان له تأثير كبير عليه، حيث كان ينصحه بـ«قراءة مؤلفات آدم سميث، وهو ما فعلته وما زلت أفعله» على حد تعبيره. وحين كان ماركويتز يعرض أطروحته للحصول على درجة الدكتوراه، وكانت رسالة تدور حول نظرية المحافظ الاستثمارية، أثار فريدمان اعتراضا مزعجا، حيث قال إن نظرية المحافظ الاستثمارية لا تنتمي إلى علم الاقتصاد، وإن الجامعة لا يمكن أن تمنح شهادة في الاقتصاد بناء عليها. وبعد بضع دقائق، علم ماركويتز أنه سوف يحصل على درجة الدكتوراه على أي حال، لكنه مر ببعض اللحظات العصيبة. وبعد سنوات، أوضح فريدمان موقفه بعض الشيء، حيث أخبر ماركويتز أنه رغم استغرابه الشديد لذلك المدخل الجديد وغير المألوف الذي تبناه تلميذه، فقد كان يمزح بشأن عدم منحه درجة الدكتوراه. وقال له فريدمان: «هاري، أنت تعلم أننا لا نُسقط أحدا في هذه المرحلة المتأخرة».

ويقول ماركويتز: «من الممكن أن يكون قد رأى أنها ليست اقتصادا.. حسن.. إنها لم تكن اقتصادا في ذلك الوقت؛ لكنها أصبحت كذلك الآن بالتأكيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»