رؤية خطط الإنقاذ المالي بنظارة وردية

TT

أعادت الخسارة التي تكبدها مصرف «جي بي مورغان تشيس» في البورصة والتي تقدر بمليارات الدولارات، إحياء فكرة تقليص حجم المصارف الضخمة العصية على الإدارة تدريجيا. هذه فكرة جيدة إذا كان يحدونا الأمل في الابتعاد عن مسار الإنقاذ المتعلق بالازدهار الذي يعقبه تراجع. ومع اشتداد وطيس المعارك بشأن القواعد التنظيمية المالية في واشنطن، فمن الضروري أن يدرك دافعو الضرائب الأميركيون تكلفة إنقاذ المؤسسات الضخمة.

قد يكون من الصعب تقديم إجابة صريحة عن هذا السؤال بالنظر إلى الأمور السياسية المحيطة بخطط الإنقاذ المالي التي تمت عام 2008. ولم تُعرف بعد التكلفة الإجمالية لمحاولات الإنقاذ تلك. لم يتم حل مشكلات «فاني ماي» و«فريدي ماك»، المؤسستين العملاقتين في مجال الرهن العقاري، ومن المؤكد أن فاتورة دافعي الضرائب الحالية، التي تبلغ قيمتها 151 مليار دولار، سوف تتغير.

مع ذلك، ينبغي أن تتضمن الحسابات الدقيقة لعمليات الإنقاذ المالي التي شهدها عام 2008 قيمة ما قدمه دافعو الضرائب من دعم مالي في إطار خطط الإنقاذ، وكذلك تحليل فطن للتكلفة والفوائد. للأسف، لم يقدم التحليل الأخير لوزارة المالية الأميركية الخاص ببرامج الإنقاذ المتعددة ومنها برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة أيًّا من هذا. ولم يمنع هذا وزارة المالية من التفاخر، حيث صرحت: «تشير آخر التقديرات المتوفرة إلى احتمال أن تدرّ برامج الاستقرار المالي عائدات مالية إجمالية جيدة على دافعي الضرائب من حيث التكلفة المالية المباشرة».

ومن المتوقع أن تفوق تلك العائدات التكلفة المتعلقة بـ«فاني» و«فريدي» كما أوضحت وزارة المالية. قد تكون هذه الأنباء جديرة بالاحتفال، وقد يدخل السيناريو الوردي المتفائل السرور على النفس، إلا أنه غير كامل. أول ما يشي بذلك هو أن العائدات، بحسب تقدير وزارة المالية، تقوم على «التكلفة المالية المباشرة».

أما التكلفة غير المباشرة لمحاولات الإنقاذ ومن بينها أموال دافعي الضرائب، فكبيرة جدا، لكنها غير مذكورة في هذا التحليل.

أوضحت مجموعة من خبراء الاقتصاد المرموقين هذه الفكرة في واشنطن الشهر الحالي، وكذلك زعمت عدم وجوب تضمين جزء كبير من الأموال التي قالت عنها وزارة المالية إنها ستعود إلى دافعي الضرائب. وكان إدوارد كين، أستاذ المالية في «بوسطن كوليدج» والعلاّمة في تحليل الدعم الحكومي، من بين هؤلاء الخبراء. ووصف في مقابلة الأسبوع الماضي التحليل الصادر عن وزارة المالية بـ«المعيب».

اعترض كين في البداية على احتساب وزارة المالية في التحليل عائد فوائد قدره 179 مليار دولار تتوقع أن يقدمه بنك الاحتياطي الفيدرالي على الاستثمارات خلال عام 2015. ويشمل هذا الدخل سندات خزانة وأصولا أخرى اشتراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في إطار برامج إنقاذ متعددة. ويرى كين أنه من غير الملائم احتساب هذا الدخل لأن ميزانية بنك الاحتياطي الفيدرالي وبيانات دخله، من وجهة نظر دافعي الضرائب، يجب أن تُجمع مع ميزانية وقوائم دخل وزارة المالية. على سبيل المثال، عندما يتلقى بنك الاحتياطي الفيدرالي دخلا على سندات الخزانة، يكون هذا المال من وزارة المالية.

وهناك خلل آخر في التحليل الصادر عن وزارة المالية كما يوضح كين، وهو فشله في حساب قيمة الدعم الذي قدمه دافعو الضرائب لإنقاذ الأطراف التي حصلت على هذا الدعم.

وقال: «إذا لم تدرك تكلفة الفرصة التي يتضمنها تقديم الدعم، فلن تتجاوز المستوى الأول في الاقتصاد». وأوضح أن البرامج قدمت مبالغ مالية كبيرة لمدة طويلة بشروط أقل من مستوى شروط السوق. إذا تم تثمين هذه الضمانات بحسب قيمتها السوقية الحقيقية، أي سعر الفائدة الذي كان ليضعه مستثمرو القطاع الخاص في حال تقديمهم قروضا في تلك الأيام العصيبة، كان ليحصل دافعو الضرائب على عائدات أكبر. وقال تيموثي ماساد، مساعد وزير المالية لشؤون الاستقرار المالي: «نعتقد أننا اتخذنا إجراء حازما وصارما ساعد على تفادي تكبد تكاليف اقتصادية كبيرة؛ من ضمنها خطر حدوث كساد عظيم آخر. مع ذلك، يمكن عمل تحليل محدد مغاير للحقيقة بعدة طرق، ونعتقد أنه من المناسب أن تدعم الحكومة مقاربة محددة في هذه الحالة».

تشارلز كالوميريس، أستاذ بكلية الأعمال بجامعة كولومبيا، وكذلك في كلية العلاقات العامة والدولية بالجامعة نفسها، وباحث مساعد في المركز القومي للأبحاث الاقتصادية. وعمل كالوميريس مع كين على نقد التحليل الصادر عن وزارة المالية وأوضح في مقابلة أجريت الأسبوع الماضي قائلا: «التظاهر بأنك عندما تمنح كل هذا الدعم، ستسترد مالك، لكنك لن تحصل على عائد مناسب يجعل للمخاطرة قيمة، ليس تعويضا جيدا عن التكلفة». وهناك نقطة ضعف أخرى في طرح وزارة المالية؛ ألا وهي أنها لم تقدم لدافعي الضرائب تحليلا للتكاليف والفوائد. وقال كالوميريس: «نحن لا نقول إنه لم يتم تحقيق أي فوائد، ولا إن وضع تلك البرامج لم يكن أمرا يستحق العناء. ربما يكون هذا صحيحا وربما لا يكون، لكن الأمر يتطلب تحليلا شاملا يحدد المنافع بالضبط».

عندما تثار قضية فوائد خطط الإنقاذ، عادة ما يتحدث عنها صناع السياسة بمفردات عامة مبهمة، حيث قال ماساد إنها ساعدت على تفادي حدوث كساد عظيم آخر أو وقوع معركة هارمغدون. لا يكفي هذا في رأي كالوميريس، حيث يوضح قائلا: «لا يكفي أن تقول إن العالم كان لينتهي، فعند تحليل التكاليف والفوائد عليك أن تضع في الاعتبار كل البدائل ذات الصلة». من الأفضل تقدير الضرر الذي كان من المحتمل أن يقع على الاقتصاد ككل في حال عدم وضع برامج الإنقاذ، ثم القول إن ما تم إنفاقه من المال لم يذهب سدى. وأضاف كالوميريس: «إذا كنت تعتقد أنك تتجنب حدوث انكماش ائتماني كبير ولديك أمثلة على تأثير توقف تلك المؤسسات على إجمالي الناتج المحلي، ربما يوضح هذا لك أن الفوائد كانت أكبر بكثير من التكاليف». من حق دافعي الضرائب الانتظار من حكومتهم الاعتراف بكل التكاليف المتعلقة بخطط الإنقاذ ووضع تقديرات لفوائد تلك التكاليف.

الصدق في عرض التكاليف والفوائد هو السبيل الوحيد لتحليل طريقة التعامل مع الأزمة وتصحيح أي أخطاء تم ارتكابها. وقال كين إن التركيز على ما إذا كانت البرامج قد أدرّت عائدات ليس هو بيت القصيد، فالمهم في رأيه هو كيفية استخدام الحكومة المال والدروس المستفادة.. وهذا ما نحن في انتظاره.

* خدمة «نيويورك تايمز»