صفعة على وجه لبنان

TT

استعاد ناشطو شبكات التواصل الاجتماعي في لبنان شريط فيديو أعد قبل سنوات يظهر فيه عدة رجال ونساء يتلقون صفعات رنانة متتالية دون أن يقوموا بأي حركة ليختتم المشهد بعدد ضحايا الحرب اللبنانية والذي تخطوا المائتي ألف وبكلمة «بيكفي».

جرى تداول مقطع الفيديو إلكترونيا بعد الأحداث التي شهدها لبنان مؤخرا ومعها دعوات لاعتصامات ورفع شعارات ومنتديات افتراضية لمحاولة خلق صوت عال يرفض العنف والانزلاق نحو الحرب مجددا وهو صوت لا يجد له حيّزا فعليا في الإعلام التقليدي..

إلا أن محاولات عقلنة ما جرى في لبنان وحيرة الناشطين الإلكترونيين في كيف يمكن تفادي السقوط مجددا نحو الهاوية بدت مفككة ومحدودة الأثر مقارنة بتيار آخر انخرط بقوة في المواقع الاجتماعية.

ففيما كان هؤلاء الحائرون خوفا من حرب جديدة تحث الخطى نحو لبنان يفكرون فيما يمكن عمله وأي تحرّك يمكن أن يحقن الغضب المشتعل في الشوارع كانت هناك صفحات على شبكة «فيس بوك» و«تويتر» تجتذب آلافا من المستثارين مذهبيا وعصبيا والذين لا يرون خلاصا من خطر وجودي يعتقدون أنه يتهددهم سوى بالمواجهة بالسلاح.

وهذه المرّة من اجتذبهم هذا الخطاب النافر كانوا من تيار عام من السنة الذين كانت أحداث الشمال وبيروت الأخيرة بمثابة الشرارة التي فجرّت ما كان يتراكم في وعيهم منذ سنوات..

ما قالته وسائل الإعلام اللبنانية المحلية على استحياء أحيانا كان صارخا في عدائيته ومذهبيته ولكن بـ«الديجيتال» هذه المرة، إذ أفردت صفحات على المواقع الاجتماعية تغطيتها الخاصة لأحداث لبنان الأخيرة بالصوت والصورة والتعليق السياسي والمذهبي النافر إلى حدّ خطر..

إلكترونيا جرت عملية «عسكرة» للخطاب الإلكتروني «السني» إذا جاز التعبير..

قد نكون حيال ردّ فعل على عسكرة أولى مثلها حزب الله حين دفع بعموم من الشيعة اللبنانيين نحو العسكرة. لكن في النتيجة لا في الأسباب بتنا في لبنان أمام محاولات خطرة لعسكرة الخطاب «السني» كما شهدنا عسكرة للشارع في بعض المظاهر في الشمال وبيروت. وإذا كان المرء قد طرح على نفسه مهمة التصدي لسلاح حزب الله ودوره في اختزال الدولة وجعلها وسيلة بيده وبيد جهات خارجية تمتد من إيران إلى سوريا، فالمهمة أوجه حين تطرح علينا قضية سلاح أقل مركزية من سلاح حزب الله لكنه أكثر نفورا لجهة اعتماده المشهد العبثي نفسه وتطلعه للمنافسة.

هذا تماما ما تجلّى ليس في الشارع فقط ولكن عبر عوالم إلكترونية واسعة.

أجل تغير شيء أساسي في لبنان.

وإضعاف الدولة الذي مارسه حزب الله والنظامان السوري والإيراني بدأنا في لبنان نتحسسه في الشارع وفي الكلام وفي عوالمنا الافتراضية.

الصفعات التي رنّت في شريط الفيديو تشعر المتفرج بالخطر لكن يبدو أن هناك في لبنان ومحيطه من أصابه تبلد إلى حدّ لم يعد هذا الصفع ليعني له شيئا..

diana@ asharqalawsat.com