أبو الهول وأبو جهل

TT

ونحن نحيا في القرن الحادي والعشرين، والمفروض أننا نمتلك خبرات أكثر من ألفي عام مضت على مولد السيد المسيح، عليه وعلى نبينا الكريم السلام، ومن قبله خبرات حضارة الفراعنة العظام التي طرق أصحابها جميع أبواب العلوم على اختلافها، وتقدموا على سائر البشر بالإيمان والعلم، وعلى الرغم من كل هذا، فإننا نفاجأ بإحدى الصحف تنشر خبرا يقول إن أحد المتشددين يعرض على الشاطر تحطيم «أبو الهول»! وجاء الخبر على لسان المهندس خيرت الشاطر - نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين - عندما التقى أعضاء الغرفة التجارية الأميركية وقال لهم إن أحد المتشددين قال له إنه يجب تحطيم تماثيل الفراعنة وأبو الهول لأنها أصنام.

ما من شك أن الجهل بالتاريخ والحضارة، وقبل كل شيء الجهل بالدين الإسلامي، يؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك. عيبنا أننا لم نقدر حضارتنا حق قدرها مثلما فعل الأجانب، ولم نستطع أن نعلمها لأبنائنا ونجعلهم يتفاخرون بأنهم ورثتها، وأن إيمان أجدادهم بوجود حساب بعد الموت، وأن من يعيش بالحق والعدل والنظام ويتقن عمله هو من ينال الجنة، جعلهم يحيون للبناء وتعمير الأرض وليس لهدمها وخرابها.

نعود إلى حكاية سجلها لنا المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابة «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» أو المعروف اختصارا بـ«الخطط المقريزية»، وبطل الحكاية أحد المتصوفين في زمان المقريزي (القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي) ويدعى الشيخ صائم الدهر، وقد ظن أن من واجبه مسخ وجوه التماثيل التي كانت لا تزال في أماكنها منذ زمن الفراعنة في طول البلاد وعرضها، ووصل صائم الدهر إلى أهرامات الجيزة ووجد تمثال أبو الهول فأخذ يحطم وجه التمثال بمعول، وفجأة قامت رياح عاتية اقتلعت الزرع وحطمت المنازل وألقت بالشيخ بعيدا عن وجه التمثال، وكاد أن يُشل من هول الصدمة وفر بلا رجعة، بعد أن جعل الناس ممن شهدوا الواقعة يعدون ما حدث من معجزات التمثال، وبدأ الجهلة وضعاف النفوس يفدون إلى التمثال حتى أعادهم العقلاء عن ذلك.

لقد دخل عمرو بن العاص مصر ولم يحطم التماثيل ولم يعتبرها أصناما، فلم يكن هناك من يتعبد لها أو يقدسها، وإنما وجد مسيحيين من أهل الكتاب، وورثة حضارة عظيمة، وعمل بوصية النبي، صلى الله عليه وسلم، فعامل مصر وأهلها بكل خير واحترام؛ وبالتالي عكس الروح المثلى للحضارة الإسلامية وهي في مهدها، وأكد أنها حضارة بناء لا هدم.

الجزء المريح من الخبر المنشور هو أن خيرت الشاطر رد على محدثه بأن الإسلام لا يقر ذلك لأنه عدوان على الحضارة والفكر، كذلك أعلن الشاطر عدم رضاه عما سمعه وهو داخل السجن من أن هناك دعاوى لحرق «ألف ليلة وليلة» وهو الموروث الأدبي الشعبي؛ وكذلك أعمال أدبية أخرى!

لقد كان أبو جهل يأتي بكل ما هو مكروه ومذموم وليس من مشكلة؛ فهو محسوب على كفار مكة قبل الفتح، أما أن يحسب أبو جهل علينا ويتحدث باسم الإسلام، فهنا مكمن المشكلة وخطورتها.