كيف تقرأ لبنان

TT

يتذكر لبنان في الشدائد، أنه أرض جميلة، لكنه لا وطن ولا دولة. ويحمّل ارتكاباته دائما للآخرين، وخصوصا حروبه. وهذا صحيح، لكن الأكثر صحة وفظاعة أن الذي ينقل العدوى هم اللبنانيون الذين تحمل كل جماعة سياسية منهم علما خارجيا، وتعتبر علم لبنان راية عدو.

بسبب انعدام المناعة الوطنية والأخلاقية يخشى اللبنانيون أي هبة ريح، خصوصا القريبة منها. وعندما أعلن سفير سوريا في الأمم المتحدة أن لبنان يؤوي «القاعدة» ويهرّب السلاح إلى سوريا، رأى اللبنانيون في رسالته أمرا مشفرا، مهما كان في أقواله من صحة، فما يجري في سوريا صار مسألة عربية وإقليمية ودولية، ولم يعد مستبعدا أن تستغل «الساحة» اللبنانية الجاهزة والمشرعة.

لكن القضية لم تكن في التهمة السورية بل في أن الحكومة اللبنانية رفضت دعوات رئيسها لاجتماع طارئ، يعالج انفجار طرابلس ويردّ على رسالة الدكتور بشار الجعفري الذي صار يثق فجأة بالأمم المتحدة وأمينها العام. فدمشق هنا وجدت متهما محددا تشير إليه، وليس مجرد مؤامرة كونية لا حدّ لعدد أبطالها.

في الماضي كانت أحداث لبنان تعكس إرادة سوريا ومشيئتها، أما الآن فتعكس بعض مشيئتها وكل انقساماتها معا. وليس مستغربا أن يكون بعض رجالها السابقين قد حولوا الولاءات، فالولاء في لبنان مثل زهرة دوار الشمس إلا فيما قل وندر. وهذه القلة تستنكرها الأكثريات وتشجبها وتلعنها وتخوّنها باستمرار، لأنها شاهدة على تلونها الفاقع والذليل.

ليس سرا على أحد عدد القوى الخارجية التي استخدمت أعداد القوى اللبنانية. وهذه القوى عندما تتبادل الاتهامات والشتائم، فمن أجل أن تمثل، وليس من أجل لبنان وخلاصه واستقراره. والغريب أنه عندما يتحرك رجل أو فريق سياسي تعرف الدنيا قاطبة أن هذا ليس موقفه بل موقف رعاته.

المؤسف أن سوريا رعت الكثير من «المدارس» التي تقف ضدها الآن، وفتحت حدودها للسلاح في اتجاه لبنان، فإذا بالحدود تفتح الآن في الاتجاه الآخر. لقد رأت في الميوعة الوطنية اللبنانية المزمنة، لعبة خصبة، فإذا الخصوبة وباء سهل الانتشار تتحمل سوريا حصتها الكبرى من عدم قيام الدولة اللبنانية. أرادتها، وعاملتها، على أنها ظل تابع يختفي تماما عند الحاجة، ويكبر عند الحاجة ويتضاءل بسرعة بمجرد تغيير الاتجاه. فإذا الظل يتفرق وبعضه ينعكس. إذا ما كان مخبوءا في سوريا ينعكس على ما كان مخبوءا في لبنان.

ظنت دمشق أن الحل في جعل الناس تسترضيها، لكن الحلول الدائمة كانت دائما في إرضاء الناس.