الاستراتيجية الإسلاموية

TT

تتردد الحركات الإسلامية التي تسلمت الحكم في تنفيذ مشروعها الإسلامي. هناك سببان لهذا التردد؛ الأول هو ضغط الدول الكبرى والثاني هو معارضة الشريحة المتعلمة والمتعلقة بالحضارة المعاصرة. أظهرت هذه الحركات مؤخرا منهجها لإزالة هذا السبب الثاني. العالم العربي هو المنطقة الوحيدة في العالم التي يتمسك جيلها القديم بالعصرنة والتحديث، ويصبو جيلها الجديد للرجوع والسلفية. أقام الإسلامويون استراتيجيتهم وفق ذلك، على اعتبار أن هذا الجيل القديم من الشيبان سينقرض بالموت والهجرة تدريجيا وقريبا. المهم الالتفات للجيل الجديد وضمان تعزيز روحه السلفية. ولهذا الغرض، ينبغي إعادة صياغة المناهج المدرسية بتحويلها تحويلا سلفيا يؤكد الماضي واللغة العربية والعلوم الإسلامية والتزيي بالسلف، من ذلك فرض الحجاب والنقاب والثوب الإسلامي والفصل بين الجنسين في كل المراحل الدراسية والجامعية.

بادر الإسلاميون في تنفيذ هذا البرنامج في تركيا وإيران والعراق. من أول سننه تغيير دروس التاريخ بحيث تستبعد دراسة التاريخ الأوروبي والفكر الغربي وتركز على التاريخ الإسلامي ومشاكل الماضي، من كان أحق بالخلافة أبو بكر أو الإمام علي ونحو ذلك. التركيز على تدريس اللغة العربية وعلومها وفنونها سيقتضي تقليص حصص اللغة الإنجليزية والفرنسية. طالب بعضهم في مصر بإلغائها كليا. وسيجري استبعاد الفنون كالموسيقى والرقص. وفي ميدان العلوم، سيقتضي استبعاد تدريس أي شيء يتعارض مع الدين، وفي مقدمة ذلك نظرية التطور - مفتاح الحضارة الغربية المعاصرة. وكذلك إحلال اللغة العربية محل اللغة الإنجليزية أو الفرنسية في تدريس المواد الاختصاصية كالطب والتكنولوجيا. ومن وراء كل ذلك، الابتعاد عن فرض التعليم الإلزامي ومكافحة الأمية. فالإسلاميون مدينون بالفوز في الانتخابات للأميين، ومن حسن الخلق، أن يردوا على الجميل بالجميل بتركهم على ما هم عليه من الجهل والأمية.

وبالطبع، سيتم رفد هذا الاتجاه بنقله ونشره عبر وسائل الإعلام، ولا سيما التلفزيون. فتكثر المسلسلات التاريخية الإسلامية ودروس الوعظ والمناقشات الدينية والفقهية ونقل المآتم وعزاء الحسين في المناطق الشيعية. وتستبعد المشاهد التي تعكس الحضارة العالمية المعاصرة وحياتها. سيكون للرقيب مكانة محترمة في المجتمع وتصبح الرقابة مهنة اختصاصية لها تكنولوجيتها العالية، أجهزة تكتشف مثلا وقوع قبلة في مشهد مسيرة شعبية، أو مصافحة بين فتى وفتاة أو ظهور خصلة شعر من امرأة خارج حجابها. وأجهزة أخرى تقوم بحذف ذلك أو مسح خصلة الشعر. وكلها مهمات ستفضي في الأخير إلى تأسيس «وزارة الرقابة الوطنية»، تكون لها ميزانيتها التي تضاهي ميزانية وزارة الدفاع. فوزارة الدفاع تحمي البلاد من الصهيونية ووزارة الرقابة تحمي البلاد من الإباحية.

قد تبدو هذه المقالة كالحة وسوداوية، ولكنني لا أراها كذلك. فالإنسان يحيا ويسعد بالأمل. لقد خسر العلمانيون المعركة وبالتالي قتلوا الأمل في قلوبنا. الإسلامويون يعطوننا أملا آخر في الجنة. لقد خسرنا عالم الدنيا فلنضمن على الأقل ألا نخسر عالم الآخرة أيضا.